شهدت مناطق غرب محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، ظهوراً مفاجئاً لمجموعات مسلحة من تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، حاصرت مناطق حيوية في مدينة القنطرة، شرق سيناء، التي تبعد عدة كيلومترات عن المجرى الملاحي الأهم في المنطقة والعالم، قناة السويس.
وقالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم "ولاية سيناء" حاصر، أمس الخميس، مراكز حيوية شرق قناة السويس بمحافظة شمال سيناء.
وأفادت بمشاهدة عشرات العناصر من تنظيم "داعش" في محيط محولات كهرباء مدينة القنطرة، والتي تبعد عدة كيلومترات عن قناة السويس. وأضافت المصادر أنّ عناصر التنظيم الإرهابي حاصروا أيضاً منطقة سكة الحديد في القنطرة، ومنعوا حركة المواطنين في تلك المناطق.
تحرك الجيش المصري لمواجهة "داعش"
وأشارت المصادر إلى أنّ قوات الشرطة والجيش بدأت بالتحرك في محيط المنطقة المستهدفة من "داعش"، إلا أنها اضطرت، في وقت لاحق، للاستعانة بالمجموعات القبلية، من اتحاد قبائل بئر العبد، لملاحقة العناصر وتضييق الخناق عليهم.
وأوضحت أن عناصر التنظيم اعتلوا كوبري جلبانة، ونصبوا حاجزاً، وبدأوا التدقيق في أوراق السائقين، ومصادرة عدد من السيارات ونقل سائقيها إلى جهة غير معلومة. كما سجل عدد من شهود العيان، الذين مروا من منطقة وجود المسلحين، أن من ضمنهم نساء لتفتيش النساء في السيارات المتنقلة من سيناء وإليها.
إثر ذلك، أغلقت قوات الجيش كمين المثلث القريب من قناة السويس في وجه المسافرين القادمين إلى محافظة شمال سيناء ومعبر رفح البري مع قطاع غزة.
كما أغلقت كمين بالوظة في وجه المسافرين الخارجين من محافظة شمال سيناء باتجاه قناة السويس، حرصاً على حياة المدنيين وتعرض "داعش" لهم خلال تنقلهم من المكان الذي يوجد فيه التنظيم على الطريق الدولي الرابط بين مدن شمال سيناء وقناة السويس. كما عزز الجيش قواته وانتشارها في المنطقة، التي شهدت اشتباكات بين الطرفين، فيما حلقت طائرات الجيش في سماء المنطقة.
وتأتي هذه الواقعة في ظل محاولات التنظيم، في مرات نادرة، الوصول إلى مناطق قناة السويس، إلا أنه قوبل بتشديد أمني حال دون استمرار مكوثه في المنطقة.
يشار إلى أن الجيش المصري والمجموعات القبلية المساندة له يخوضون حملة عسكرية شرسة ضد تنظيم "داعش" في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد ووسط سيناء منذ مارس/ آذار الماضي. وتمكنت الحملة العسكرية من فرض السيطرة على مساحات واسعة من المناطق التي كان التنظيم موجوداً فيها منذ سنوات طويلة.
هجمات محدودة ضد قناة السويس
يشار إلى أن قناة السويس والمنطقة المحيطة بها تعرضت لهجمات محدودة، كان أبرزها استهداف سفينة، تحمل علم بنما، خلال إبحارها في القناة عام 2013، من خلال إطلاق قذائف مضادة للدروع باتجاهها، دون أن يؤثر ذلك على عمل القناة أو نشاطها.
وفي مايو/ أيار الماضي، تعرضت محطة مياه مركزية قرب قناة السويس لهجوم من عناصر التنظيم، أدى إلى مقتل القوة العسكرية الحامية لها، والبالغ عددها 16 عسكرياً، بينهم ضباط، ما دفع الجيش المصري لنشر خبر نادر بخصوص الهجمات في سيناء، وكذلك تعزية مباشرة من رئاسة الجمهورية.
صدمة لقوات الأمن المصرية
وفي التعقيب على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن ما جرى أمس الخميس في منطقة جلبانة يعتبر صدمة لقوى الأمن المصرية والاستخبارات والمجموعات القبلية المساندة للجيش.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي ترفع فيه التقارير والمشاهد المصورة عن سيطرة غير مسبوقة على مناطق رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد ووسط سيناء، يأتي التنظيم ليسيطر ولعدة ساعات على منطقة حيوية بهذا الحجم، ويتحكم في حركة المواطنين وقوات الأمن، ويفعل كل ما أراد.
وأضاف الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لوجوده في سيناء، أن المواطن في سيناء اعتقد أن زمن حواجز "داعش" وسيطرته على مناطق حيوية واستراتيجية ومركزية انتهى بلا عودة، بعد ما أنجزته الحملة العسكرية المستمرة في شمال سيناء منذ مارس الماضي.
وأوضح أن هذا الهجوم يدق ناقوس الخطر بشأن استمرار "داعش" في خططه لمهاجمة مراكز المدن والمناطق الحيوية، بهدف إثبات وجوده على الأرض في سيناء، وهذا يحتاج لتشديد الإجراءات الأمنية، وتعزيز القوات في هذه المناطق التي تعرضت لهجوم "داعش"، كما جرى مسبقاً في مدن شمال سيناء، أي رفح والشيخ زويد والعريش.
"داعش" يرغب بضرب قناة السويس
وبيّن أن لدى "داعش" رغبة جامحة في ضرب قناة السويس أو التأثير على عملها، لعلمه المسبق بتأثير ذلك على الدولة المصرية، والاقتصاد العالمي، وبالتالي يجب وضع حد لتحركاته بشكل يحول دون تقدمه نحو القناة، وبما لا يؤثر على النشاط الاقتصادي فيها خلال المرحلة المقبلة، من خلال نشر المزيد من القوات العسكرية في المنطقة.
واعتبر أن قوات الأمن، التي تمكنت خلال الفترة الماضية من فرض سيطرتها على كافة مدن شمال سيناء من رفح شرقاً وحتى بئر العبد غرباً، يمكنها استكمال مهمتها التي بدأتها في مارس الماضي، بالسيطرة على المناطق القريبة من قناة السويس، خصوصاً في ظل تمركز قوات مختلفة من تشكيلات الجيش المصري في تلك المناطق، إلا أنها بحاجة إلى إعادة تموضع، بما يسد الثغرات التي يتسلل "داعش" منها.
ويتولى تأمين المحور الملاحي للقناة الجيش الثالث الميداني عن طريق قوات تأمين قناة السويس والمنشآت الاقتصادية وقطاع السخنة والقطاع الريفي وقوات تأمين قطاع السويس، وذلك في النطاق الخاص بها، بدءاً من نهاية نطاق الجيش الثاني وحتى جنوب المخرج الجنوبي للقناة بطول 52 كيلومتراً، إلى جانب التأمين الداخلي للمجرى الملاحي، وذلك بالتنسيق مع قوات الجيش الثاني وحرس الحدود والقوات البحرية والجوية والدفاع الجوي والشرطة العسكرية من خلال مركز القيادة المشترك لقوات تأمين المجرى الملاحي.
يشار إلى أن قناة السويس هي ممر مائي اصطناعي ازدواجي المرور في مصر، يبلغ طولها 193.3 كيلومتراً، وتصل بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وتنقسم طولياً إلى قسمين شمال وجنوب البحيرات المرّة، وعرضياً إلى ممرين في أغلب أجزائها، لتسمح بعبور السفن في اتجاهين في الوقت نفسه بين كل من أوروبا وآسيا.
وتعتبر القناة أسرع ممر بحري بين القارتين، وتوفر نحو 15 يوماً في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح. وكان رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع قد كشف، مطلع الشهر الحالي، أن إيرادات القناة بلغت 704 ملايين دولار في يوليو/ تموز الماضي، وهو أعلى إيراد شهري في تاريخها، إذ سجلت القناة ارتفاعاً في حركة الملاحة بعبور 2103 سفن في الشهر نفسه، ارتفاعاً بنسبة تجاوزت 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأشار ربيع إلى أن عدد ناقلات النفط ارتفع في يوليو الماضي بنسبة 60%، لتحقق أعلى إيراد شهري لناقلات البترول على الإطلاق عند 153 مليون دولار، فيما حققت قناة السويس إيرادات قدرها 7 مليارات دولار خلال العام المالي 2021 ــ 2022، بزيادة قدرها 21% عن العام المالي الأسبق.
وتعتبر هذه الإيرادات السنوية الأعلى في تاريخ القناة، نظراً لارتفاع عدد السفن العابرة وحمولاتها خلال العام المالي 2021 ــ 2022. وكان إيراد القناة قد بلغ 5.8 مليارات دولار في العام المالي 2020 ــ 2021.