التحالف الدولي ضد داعش.. مرحلة دقيقة تكتنفها التحديات
رغم نجاح التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة في دحر التنظيم في سوريا والعراق وما تلا ذلك من إعلان مقتل زعيم التنظيم "أبوبكر البغدادي" خلال عملية عسكرية أمريكية نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإنَّ التحالف بات يواجه تحديات عدة لا بد من التعاطي معها بشكل عاجل وفاعل.
وفي هذا الصدد، سلَّط مقال نشر بموقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تحت عنوان "التحالف الدولي ضد داعش لديه الكثير مما يجب تقديمه عقب مقتل البغدادي"، للكاتبيْن تشارلز ثيبوت وماثيو ليفيت، الضوء على أبرز منجزات التحالف على المستوييْن الصلب (الشق العسكري) والناعم (الجوانب غير العسكرية) فضلًا عن طرحه لملفيْن رئيسييْن يجب التباحُث بشأنها بشكل عاجل للتوصُّل إلى آلية مشتركة يجري من خلالها تنسيق جهود الدول الأعضاء بفاعلية.
ارتأى الكاتبان أنَّ تغوُّل تنظيم داعش ووقوع كثير من الأراضي في سوريا والعراق تحت سيطرته فضلًا عن وحشية التنظيم والنجاح منقطع النظير الذي رافق حملاته الدعائية على مواقع التواصل الاجتماعي في استقطاب وتجنيد مقاتلين من مختلف الجنسيات، قد دفع 81 دولة، لأنْ تشكِّل تحالفا عسكريا بقيادة الولايات المتحدة، وذلك في سبتمبر/أيلول عام 2014 كآلية عمل تضطلع الدول الأعضاء من خلالها بتنسيق كافة الجهود العسكرية والمدنية لدحر نفوذ التنظيم وتحرير كافة الأقاليم الواقعة تحت قبضته.
وقد وفَّرت الولايات المتحدة سبُل الدعم العسكري طوال فترة عمل التحالف حتى جرى الإعلان عن هزيمة داعش، وتعزَّزت الهزيمة بالإعلان عن مقتل زعيمه "أبوبكر البغدادي". وارتأى الكاتبان أنَّه بالرغم من محدودة الضربات العسكرية التي شنَّها التحالف، فقد تُفَسَّر المحدودية تلك على أنَّها محدودية النطاق الجغرافي (الهدف) أو حجم الضربات العسكرية وعددها، إلا أنَّها كانت فعَّالة في هزيمة التنظيم وتحرير الأراضي السورية والعراقية من عناصره.
وبجانب الولايات المتحدة، ثمة دول أخرى قدَّمت دعما عسكريا للتحالف اتخذ أشكالا عديدة من بينها تقديم الدعم الاستخباراتي، وتدريب القوات المشاركة في التحالف، والمشاركة في شن الضربات الجوية وتوفير المعدات العسكرية، لعل من بينها ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وإيطاليا، والمملكة السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة الأردنية، والبرتغال. هذا التنسيق على المستوى الاستخباراتي واللوجيستي قد ساهم بقوة في الإعلان عن هزيمة تنظيم داعش في مارس/آذار عام 2019 وتَبِعَ ذلك ببضعة أشهر مقتل البغدادي في عملية عسكرية أمريكية.
وبالإضافة إلى الدعم العسكري (الصلب) الذي قدَّمته الدول الأعضاء للتحالف الدولي لمحاربة داعش، هناك دعم إنساني (الناعم أي الجوانب غير العسكرية للدعم) قدَّمته هذه الدول أيضًا.
فقد أنفقت الدول الأوروبية المشاركة في التحالف ما يربو على 400 مليون دولار لتقديم المساعدات الإغاثية لمخيمات اللاجئين وكذا الرعاية الصحية فضلًا عن تقديم مساعدات مالية للمساهمة في إعادة الإعمار كإعادة بناء جامعة الموصل، وإصلاح البنى التحتية المُدمَّرة وتطهير الأراضي من الألغام التي زرعها التنظيم، وبناء الاقتصاديات المحلية من جديد.
وبذلت دول التحالف الجهود في سبيل محاربة حملات التجنيد الإلكترونية التي أطلقها التنظيم وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي التابعة له إضافةً إلى تبادُل المعلومات لتجفيف منابع تمويل الحركات والتنظيمات الإرهابية والمعلومات المتعلقة بالمقاتلين الأجانب في صفوف داعش.
تحديات مرحلة "ما بعد البغدادي"
أوضح الكاتبان أنَّ التحالف الدولي لمحاربة داعش أضحى يواجه تحدييْن أساسييْن في هذه المرحلة، ألا وهما التعاطي مع الخارطة السورية الجديدة التي نتجت عن القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، ما أفضى إلى ملء الفراغ الذي خلَّفه انسحاب القوات الأمريكية من قِبل القوات الروسية والتركية والسورية.
فمناقشة وتباحُث تداعيات هذا القرار الأمريكية وكيفية التعامُل معه على الأرض أمر في غاية الأهمية، لا سيما أنَّ الولايات المتحدة حينما قرَّرت الانسحاب لم تحدِّد كيف وأين ستستمر العمليات العسكرية ضد البقية الباقية من التنظيم.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّه لم تُحْسم حتى اللحظة الراهنة أعباء الدول الأوروبية في المرحلة المقبلة وما إذا كانت هذه الأعباء ستزداد عوضًا عن الانسحاب الأمريكي من التحالف أم ستبقى كما كانت قبيْل الانسحاب.
وبصفة عامة، فإنَّ التحالف الآن غدا يواجه مرحلة مفصلية، فالانسحاب الأمريكي يزيد مهام العسكرية والإنسانية للتحالف صعوبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من الصعوبة بمكان استمرار منظمات المجتمع المدني الأوروبية NGOs في عملها الإنساني والإغاثي بسوريا والعراق دون حماية أمريكية.
أما التحدي الثاني فيكمن في كيفية التعاطي مع الدواعش المحتجزين في السجون السورية والعراقية، وهي القضية الأكثر إلحاحًا في المرحلة الآنية، إذ يظل الشغل الشاغل للسلطات الأمنية في كلٍ من سوريا والعراق وكذلك الدول الأعضاء في التحالف، التي نجح تنظيم داعش في تجنيد بعض من مواطنيها، الحيلولة دون هروب الدواعش المحتجزين في العراق وسوريا في ظل حالة الفراغ الأمني أو استشراء الفضاءات غير المحكومة في كلا الدولتيْن.
وفي هذا الصدد، طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الدول الأوروبية استقبال مواطنيها المحتجزين ممن انضموا للتنظيم، وبلغ الأمر حد التهديد بإعادة أولئك المحتجزين إلى بلدانهم الأصلية ومحاكمتهم هناك حتى وإنْ لم تُبْدِ تلك الدول رغبتها واستعدادها لاستقبالهم.
وقد جادل البعض الصعوبة اللوجيستية لنقل المحتجزين إلى بلدانهم الأصلية وضمان عدم هروبهم فضلًا عن صعوبة إخضاعهم للمحاكمة في ظل الصعوبات المرتبطة بجمع الأدلة الواجب تقديمها لمحاكمة كل منهم على حدة. ناهيك عن وجوب تطوير برامج لإعادة تأهيل ودمج أولئك المحتجزين في المجتمع بعد أنْ يقضوا عقوبتهم.
وقد طرح فريق آخر خيار تأسيس محكمة جنائية دولية، على اعتبار أنَّ قضية المقاتلين الأجانب في صفوف داعش باتت قضية دولية، مخصَّصة للنظر في قضايا المحتجزين من داعش وتحديد العقوبة ولكن يظل لهذا الأمر أيضا صعوباته التي لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها مرور الكرام، فتأسيس مثل هذه المحكمة يستغرق الكثير من الوقت والإجراءات وقد يلقى معارضة من بعض الدول.
وختامًا، أكَّد المقال أنَّه رغم نجاح التحالف الدولي في هزيمة داعش في سوريا والعراق وتحرير الأراضي القابعة تحت سيطرته، فإنَّه بات يواجه مرحلة دقيقة وفارقة يكتنفها كثير من التحديات، التي يلزم التعاطي معها بصورة عاجلة، وهي تحديات وثيقة الصلة باستدامة هذا النجاح والمنجزات المتحقِّقة، على رأسها التعاطي مع ملفي المقاتلين الأجانب وتعويض الانسحاب الأمريكي من التحالف.
وانتهى الكاتبان إلى القول إنَّ التحالف الدولي، رغم التحديات التي واجهها ولا يزال، قدَّم نموذجا يُحْتذى به في التعاون متعدد الأطراف الذي يرتكز على تقاسُم الأعباء كأساس للمجهودات الدولية المبذولة في مجال محاربة الإرهاب.