لم يعد خافياً أن أطرافاً عديدة داخلية وخارجية دخلت على خطّ التظاهرات المستمرة في العراق منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، من أجل تحقيق غاياتها السياسية. وفي ظلّ انشغال القوات الأمنية بالتحدّي الذي فرضه التظاهر المستمر، عاد تنظيم «داعش» إلى الواجهة مرّة أخرى، مستغلّاً الثغرات الأمنية التي خلّفتها حركة القطعات العسكرية بين المدن، من أجل إعادة تنظيم صفوفه، وذلك عبر عملية كبرى استهدفت اقتحام السجون وتهريب آلاف المعتقلين من كبار قياداته. في العراق، يقبع أكثر من 18 ألفاً من عناصر التنظيمات الإرهابية في السجون، بعد ملاحقة دامت أكثر من خمسة عشر عاماً، وأسفرت عن إلقاء القبض على كبار قيادات تنظيمات «القاعدة»، «أنصار السُّنّة»، «داعش»، «الجيش الاسلامي»، «النقشبندية»، «جيش الراشدين»، «جيش الفاتحين»، «حماس العراق»، و«جيش المصطفى» وعناصرها، سواءً من المقاتلين المحليين أو العرب أو الأجانب. رواية «ابتلاع الحوت» في الناصرية يتميز المجتمع في مدينة الناصرية (375 كيلومتراً جنوب العاصمة بغداد/ مركز محافظة ذي قار) بطابعه القبلي البحت، وحميّته التي تحتدّ في أيام الشدائد. ويعاني أبناء المدينة ارتفاعاً كبيراً في نسب البطالة والفقر، على رغم وجود العديد من الحقول النفطية فيها. كلّ ذلك جعل من الناصرية رقماً صعباً في خريطة الاحتجاجات في المدن العراقية، حيث شهدت «ساحة الحبوبي» وسط المدينة وغيرها مشاركة كثيفة في التظاهرات منذ يومها الأول. وهي مشاركة تميّزت بالسلمية والانضباط ورفع الشعارات المطالبة بالإصلاح. ولكن، في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدأت حسابات وصفحات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي، تُدار - بمعظمها - من خارج العراق، بتكثيف منشوراتها المتعلّقة بالناصرية والاحتجاجات فيها، داعمةً مجموعات صغيرة من الملثّمين الذين بدأوا بعمليات حرق لبعض منازل المسؤولين الحكوميين. تلك الحسابات أخذت بتصعيد حملتها الممنهجة حتى اضطرت بغداد إلى إرسال قوات إضافية إلى المدينة. وفي 28 تشرين الثاني، تعمّدت المجموعات المذكورة إحداث صدام مع القوات القادمة، ما دفع عناصر «غير منضبطة» من الأخيرة إلى استخدام القوة المفرطة ضدّ المتظاهرين، الأمر الذي تسبّب بمواجهات دامية اضطرّت على إثرها القوات الأمنية إلى مغادرة المدينة، فيما توجّه آلاف الشباب نحو مقرّ مديرية شرطة الناصرية بهدف مهاجمته. يحوي سجن الحوت أكثر من 6200 معتقل، غالبيتهم من المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية هذه المواجهات استهدفت، حسبما يكشفه العقيد م. ب.، أحد ضباط جهاز الاستخبارات العراقي، إلى«الأخبار»، «إحداث فراغ أمني يمكّن مجاميع مكوّنة من العشرات من عناصر تنظيم داعش من الاندفاع عبر الصحراء، والالتفاف للوصول نحو سجن الحوت بهدف اقتحامه». ويضمّ سجن الحوت (11 كيلومتراً شرق الناصرية) أكثر من 6200 معتقل، غالبيتهم من المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية ولا سيما «داعش»، فضلاً عن كبار قيادات التنظيم من المحكومين بالإعدام. ويلفت الضابط المذكور إلى أن «جهاز الاستخبارات اعترض العديد من الاتصالات والرسائل النصية بين قيادات داعش، والتي أشارت إلى وجود نية حقيقية لاقتحام سجن الناصرية المركزي، بهدف تهريب المعتقلين منه»، مضيفاً أن «خطة التنظيم مدعومةٌ من جهات خارجية مجهولة، وكانت تقضي بدفع مدينة الناصرية إلى الفوضى والصدام مع القوات الأمنية»، متابعاً أن «الجهاز أرسل برقيات عديدة إلى الأجهزة الأمنية في الناصرية، بهدف تعزيز الحماية على سجن الناصرية المركزي، فيما أبلغ بعض شيوخ العشائر بالمخطط الذي كان يُحاك للمدينة». وأواخر الأسبوع الماضي، تمّ إعلام قبائل محافظة ذي قار وشيوخها بالمخطط الإرهابي، والذي أُريد منه تهريب عناصر «داعش» من سجن الحوت. وعلى إثر ذلك، سارعت القبائل إلى تدارك الموقف والاتفاق مع الأجهزة الأمنية في المدينة، ولا سيما قيادة شرطة الناصرية، على تشكيل مجموعات محلية مساندة للقوات الأمنية. وعلى الفور، توجّه المئات من تلك المجموعات نحو محيط سجن الناصرية المركزي للمشاركة في تأمينه، مطلقين شعاراً بلهجة أهالي الجنوب العراقي يقول: «الطارش (المرسال) كول (قول) لداعش ماننطيك (نعطيك) سجن الحوت»، تأكيداً على عدم سماحهم لأي جهة بالاقتراب من السجن. وكانت مديرية شرطة نينوى (405 كيلومترات شمال بغداد) أعلنت، في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إحباط محاولة هروب سجناء من «سجن التسفيرات» وسط مدينة الموصل، والسيطرة على السجن الذي يضمّ العشرات من عناصر «داعش». وقبل ذلك، أحبطت «مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب» في محافظة صلاح الدين (175 كيلومتراً شمال بغداد)، وبضربة استباقية، عملية خطّط لها «داعش» لاستهداف «مركز تكريت» الذي يحوي سجناً للنساء. ولم تكن تلك المحاولات اعتباطية، إذ وفقاً لما يكشفه ضابط رفيع المستوى في وزارة الداخلية لـ«الأخبار»، فإنها استهدفت «تشتيت انتباه القوات الأمنية عن العملية الكبرى باستهداف سجن الناصرية، والمعروف بسجن الحوت».