“فم الموت” في الموصل.. ردمه “داعش” على آلاف الضحايا و”تعجز” الحكومة عن فتحه!
كشف تقرير، الأربعاء، عن أزمة في الموصل تتعلق بعوائل أكثر من ألفي شخص ضمن عدد مجهول من الضحايا الذين غيبهم تنظيم “داعش” في “الخسفة”، فيما سلط الضوء على عجز الحكومة والمحلية والمنظمات الدولية عن فتح تلك المقبرة لتحديد هويات الضحايا.
بين التقرير الذي نشر على موقع “منصة الموصل الإعلامية” وتابعه “ناس” اليوم (28 آب 2019)، أن “تنظيم داعش أعلن في الخامس من آب 2014، عن تصفية (2070) شخصاً من مدينة الموصل وعلق عناصره قوائم بأسمائهم في لوحة إعلانات الطب العدلي في الجانب الأيمن للمدينة. مع أوامر صارمة لذوي الضحايا بعدم تتبع أو الاستفسار عن مكان دفنهم والامتناع عن أقامة مجالس عزاء على أرواحهم”.
كان التنظيم قد أعلن عن دولته الإسلامية في ذلك الوقت وبدأ بتنفيذ قوانينها المميتة. لذا اكتفى الأهالي المنكوبون وبعيون دامعة إلقاء نظرة على أسماء أبنائهم في قوائم الموت وعادوا ليعلنوا عن أحزانهم خلف أبواب بيوتهم الموصدة. فيما كان ذوو مفقودين آخرين يتسللون بين الحين والآخر إلى المكان ذاته وقلوبهم مليئة بأمل أن لا يعثروا على أسماء مفقوديهم ليواصلوا رحلة البحث الصامتة، وفق التقرير.
حفرة الموت في آب الحزين ذاك، شاع خبر قديم تجدد بأن التنظيم يلقي ضحاياه بناءً على قرارات تصدرها محاكمه في هوة سحيقة (20 كم جنوب الموصل) يعرفها الأهالي هناك بـ(الخفسة) لكن الاسم الأكثر شيوعاً يلفظُ (خسفة).
والخسفة فجوة أرضية طبيعية يزيد قطر فوهتها عن أربعين متراً وعمقها عن 150 متراً بحسب دراسة أكاديمية أجريت عليها قبل سنوات في جامعة الموصل. وأهالي القرى القريبة منها يؤكدون بأنها عميقة للغاية وبسبب انحدارها الشديد وصعوبة النزول اليها فلا أحد يعرف تحديداً ماذا كان في قعرها قبل أن ينشط التنظيم في نينوى بعد 2006 وسيطرته المطلقة عليها صيف 2014 إذ أستخدمها كمقبرة لضحاياه وهم من مختلف فئات المجتمع في نينوى. ومن هنا استمدت أسمائها المتعددة (حفرة الموت أو الرعب أو مقبرة الخسفة).
ويروي مواطنون من قرية العذبة القريبة، كيف أن فرق إعدام تابعة للتنظيم اعتادت بعد حزيران 2014 على تنفيذ عمليات إعدام جماعية لعراقيين تقتادهم من أماكن مجهولة ثم تلقي بجثثهم في الخسفة والتي لم يكن يبق لها من أثر سوى خطوط الدماء التي تخلفها على حافة الفوهة.
ويشير شاب من القرية طلب أن نطلق عليه أسم (هشام)، إلى أن التنظيم وخلال مدة سيطرته على نينوى أتخذ من (الخفسة) كما أسماها، مقبرة يجلب إليها عناصره كل يوم تقريباً جثثاً بواسطة سيارات (بيك آب) وحتى شاحنات صغيرة وكبيرة في بعض الأحيان ثم يلقونها فيها. أو أحياءً معصوبي الأعين وموثوقي الأيدي، يطلقون عليهم النار بالقرب من فوهتها ويركلون الجثث لتختفي في ظلام الفجوة.
ويقول أن سكان قريته كانوا يتحدثون خلال تلك المدة عن سماع أصوات أنين ليلاً مصدرها الخسفة ويقولون بأن هنالك حيوانات تقتات على الجثث المتراكمة فيها. ونفى هو بشدة ذلك وقال: “لا يمكن لإنسان البقاء حياً عند السقوط في الخفسة، كما لا يمكن لحيوان النزول الى هناك. الناس كانوا يشعرون بالرعب ويختلقون قصصاً عن الأمر” على حد وصفه.
وأضاف هشام، بان التنظيم وقبل فترة وجيزة من سقوطه بعد معارك التحرير منتصف 2017 قام بردم الخسفة، إذ ألقى عناصره هياكل مركبات وأنقاض أبنية في جوفها قبل أن تستغرق الجرافات ساعات طويلة في إهالة التراب عليها.
المنظمات الدولية تعتذر عن فتح الخسفة نائب رئيس مجلس محافظة نينوى نور الدين قبلان، قال إن الخسفة تضم رفات آلاف من مواطني نينوى بينهم مدنيون ومنتسبون للجيش والشرطة العراقيين. وفتحها خارج إمكانيات الحكومة المحلية وأن الأمر يتطلب جهداً وإمكانيات دولية لا تتوافر في العراق حالياً. وأكد قبلان مفاتحة منظمات إنسانية دولية عديدة للقيام لكنها رفضت دون أن يورد الأسباب مكتفياً بالقول أن ذلك “يفوق إمكانياتها أيضاً”.
من جانبها قالت عضو مجلس النواب العراقي عن نينوى بسمة بسيم، إن رئيس مجلس النواب يعمل على مقابلة ممثلين عن عائلات المغيبين ومنهم مغيبو الخسفة، الأمر الذي عده الأهالي “إجراءات خجولة” ولا تتوافق مع حجم الكارثة الكبيرة التي لحقت بهم ولاسيما أن ذلك يحدث بعد نحو سنتين من تحرير نينوى من سيطرة داعش وما وصفوه بـ “التقاعس الحكومي غير المفهوم” عن فتح مقبرة الخسفة الجماعي.
فيما اعلن أحمد العبد ربه مسؤول شؤون المواطنين في مجلس محافظة نينوى عن استلام 500 طلبٍ من ذوي المفقودين أثناء سيطرة داعش على الموصل. وأن لجنته تلقت من لجنة حقوق الأنسان النيابية والأمانة العامة لمجلس الوزراء طلباً بتوحيد اسماء المفقودين كافة لغرض البحث والتحري عنهم. وأن قوائم بذلك تعد في الوقت الراهن.
الموقف الحكومي هذا وعدم وجود خطة لفتح الخسفة له تداعياته العميقة على آلاف من ذوي المفقودين الذين يتعين عليهم إثبات حالة الوفاة للحصول على امتيازات الدولة للشهداء والحصول على شهادة الوفاة لتسيير المعاملات الرسمية في الدوائر الحكومية المتعلقة بالأحوال الشخصية من إرث وغيرها، وكل ذلك يستلزم بطبيعة الحال وجود جثة قانوناً للحصول على شهادة وفاة.
وعن ذلك قال شيروان الدوبرداني النائب عن محافظة نينوى، إن 100 معاملة شهيد فقط قد انجزت في نينوى من بين معاملات آلاف الضحايا. والسبب هو البيروقراطية الكبيرة في الدوائر الحكومية (على حد تعبيره) والقانون العراقي الذي يستلزم وجود جثة لمنح شهادة الوفاة.
ووعد الدوبرداني بالعمل على تشكيل لجنة برلمانية للتعاون مع حكومة نينوى المحلية في سبيل فتح الخسفة وإخراج الجثث منها.
أهالي الضحايا الذين بلغ عددهم 2070 شخصاً، والذين أعلن داعش عن قتلهم وعلق أسماءهم في الطب العدلي في زمن سلطته على الموصل، احتشدوا بتظاهرة في منطقة المجموعة الثقافية مطلع آب الجاري للمطالبة بجثث أبنائهم والعمل على فتح الخسفة التي يرجح أنهم دفنوا فيها.
بشيء من اليأس، قال خزعل عز الدين الذي فقد اقاربه في الخسفة، إن التجاهل الحكومي لذوي الضحايا ليس العقبة الوحيدة أمامهم. إذ أن الأمر لا يتوقف عند مجرد فتح المقبرة”.
وبين خزعل الذي فقد شقيقين وابن عم بين سنتي 2015 و 2016، أن “هنالك آلاف الجثث فوق بعضها ولاشك بأنها قد تحللت مختلطة ببعضها. وهذا يحتاج إلى ميزانية كبيرة وجهات دولية متخصصة قد يستغرق عملها سنوات”. المصدر: nasnews