"أتوا برجل وصلبوه على عمود في السوق. ومن ثم أخرج مسلح من داعش سيفا وطعن به الرجل عدة طعنات فسالت منه الدماء، لكنني حجبت عينيّ". بهذه الكلمات بدأ الطفل جمال محمود (10 أعوام) حديثه لموقع (إرفع صوتك) عن مشاهدته لإحدى جرائم التنظيم في الموصل.
يروي والد جمال القصة التي رواها ابنه بالتفصيل، ويقول إنّه قبل نحو عام من الآن كان جمال برفقته في سوق باب الطوب. وكان الوقت يقترب من الظهر عندما نفذ التنظيم عملية إعدام أحد المعتقلين لديه. "التنظيم كعادته جمع كل من في السوق ليريهم عملية الإعدام".
مشاهد الإعدام لم تمحَ بعد من مخيلة جمال، ولم تفارقه بعد صور ذلك الرجل، فهو ما زال يتذكر تلك اللحظة التي يصفها بالمرعبة جدا. ويضيف جمال الذي حُرم من المدرسة منذ احتلال التنظيم لمدينته صيف 2014 "أنا أشاهد مسلحي داعش كل ليلة في المنام وهم يقتلون والدي ويقتلونني".
جمال ليس الوحيد الذي شاهد عمليات القتل والعنف التي نفذها مسلحو داعش في مدينته. فعشرات الآلاف من الأطفال في الموصل تعرضوا خلال أكثر من عامين ونصف إلى عنف جسدي وعنف فكري.
تدريبات عسكرية
جند التنظيم، بحسب مصادر أمنية عراقية، نحو 1500 طفل عراقي تتراوح أعمارهم ما بين ستة أعوام و17 عاما ضمن صفوفه.
وتلقى هؤلاء الأطفال تدريبات عسكرية تمثلت في كيفية استخدام الأسلحة وصناعة العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات وتنفيذ عمليات الإعدام. وتلقوا كذلك دروسا في فكر التنظيم الإرهابي على يد مسلحين أجانب في مناطق متعددة من مدينة الموصل.
ونقل قسم آخر من هؤلاء الأطفال الذين يطلق عليهم اسم "أشبال الخلافة" أو "أشبال البغدادي" إلى معسكرات خاصة في مدينة الرقة السورية، عاصمة دولة داعش، لتلقي دورات أخرى ومن ثم زجهم في معارك التنظيم التي يخوضها ضد القوات العراقية، فيما استخدم آخرين منهم كعيون له داخل مناطق الموصل للتجسس على السكان. وبحسب هذه المصادر فإن التنظيم كان يعدم باستمرار العشرات من الأطفال الذين كانوا يحاولون الهروب من هذه المعسكرات.
وطالبت منظمة "Save the children" (منظمة غير حكومية بريطانية تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم) في بيان لها نشرته في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي 2016 المجتمع الدولي إلى التحرك لإنقاذ نحو 600 ألف طفل ما زالوا محاصرين في الموصل.
لم يقف التنظيم عند تجنيد الأطفال فحسب بل غيّر المناهج الدراسية بمناهجه الخاصة التي تحث على العنف والقتل وتغسل أدمغة الأطفال وتزرع فيهم الفكر الإرهابي.
الخوف
حتى قوانين التنظيم في كيفية إرتداء الملابس والحلاقة شملت الأطفال أيضا. فعند جولة مراسل (إرفع صوتك) في المناطق المحررة من الجانب الأيسر من مدينة الموصل، شاهد غالبية الأطفال يرتدون سراويل مكفوفة شُدت بشريط مطاطي بحيث تضيق على أرجله في المنطقة التي تعلو الكاحل.
وهم من شدة الخوف ما زالوا يلتزمون بشروط اللباس رغم تحرير مناطقهم، والغرض من كل هذا هو عدم تلوث حاشية السروال بالأوساخ التي تسبب إبطال الوضوء. يقول الطفل محمد نعمان (ثمانية أعوام) الذين كان يلبس هذا النوع من السراويل لموقع (إرفع صوتك) "داعش كان يعاقب كل شخص لا يلتزم بارتداء هذا النوع من السراويل بجلده، وقد جلدوا عمي 50 جلدة لهذا السبب".
معالجة الأطفال
غسل أفكار التنظيم من أدمغة الاطفال ومعالجة الأمراض النفسية التي أُصيب بها جراء تعرضهم للعنف الفكري والجسدي من قبل داعش أحد المطالب التي يؤكد الناشطون المدنيون والمختصون في مجال الطفل على ضرورة تواجدها في مرحلة ما بعد تحرير الموصل.
ويرى الناشط المدني في مجال حقوق الطفل والأسرة، ماهر العبيدي، أن أطفال الموصل بحاجة إلى تأهيل نفسي. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "هؤلاء الأطفال شاهدوا مشاهد عنف وقتل وذبح وهذه المشاهد ولدت لديهم نوع من الصدمة وقسم منهم أصيبوا بحالات نفسية. لذا هم بحاجة إلى إسعافات أولية نفسية ودعم نفسي واجتماعي، وخلق روح الوطنية والتسامح والتعايش في نفوسهم".
ويكشف العبيدي عن أكثر الفئات العمرية تعرضا للصدمات النفسية بين أطفال الموصل قائلا إن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمسة أعوام و13 عاما من بين أطفال الموصل هم الأكثر إصابة بحالات نفسية إثر تلك المشاهد والظروف التي شهدوها وصدمة النزوح.
ويوضح أن أعراض الأمراض النفسية المنتشرة بين الأطفال تتمثل في القلق الشديد والوسواس القهري ونوبات الخوف خاصة عند سماع صوت الإنفجارات والطائرات.