في كل مرة يجد فيها أعضاء فرقة مكافحة الرذيلة، التابعة لداعش في الموصل امرأة بدون قفازات فإنهم يخرجون كماشة. وما يعقب ذلك لا يعدو أن يكون عقوبة من مجموعة واسعة من العقوبات التي ينزلها التنظيم المتشدد بالمخالفين في معقله بشمال العراق.
وقالت فردوس - وهي فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً فرت من المدينة الأسبوع الماضي - "داعش يضغط بالكماشة على جلد المرأة بقوة."
وتمكنت فردوس نفسها من الفرار من مثل هذه المعاملة، لكنها أبلغت رويترز أن داعش لديه المزيد من الطرق لإنفاذ إحدى القواعد العديدة لقانونه الأخلاقي - أنه يجب على النساء ألا يظهرن أيديهن للناس.
وقالت فردوس التي كانت تتحدث في بلدة الخازر - التي سيطرت عليها قوات كردية في إطار هجوم عراقي لاستعادة الموصل - "العقوبة الأخرى هي جلد النساء اللاتي لا يرتدين القفازات."
ورفضت فردوس شأنها شأن آخرين فروا من قبضة داعش ذكر اسم عائلتها خوفاً من أن تنتقم الجماعة المتشددة من أقارب لها ما زالوا في الموصل، التي تبعد نحو 27 كيلومتراً.
وعندما استولى داعش على ثاني أكبر مدينة عراقية في 2014 تعهد بأن أي شخص يتبنى قضيته سيكون له في نهاية المطاف مكان في الجنة.
حياة لا تطاق لكن السكان الذين فروا في الآونة الأخيرة من المعقل الاخير لداعش في العراق يقولون إن الحياة سرعان ما أصبحت لا تطاق في المدينة، التي يبلغ عدد سكانها زهاء مليونين.
وتفرض الجماعة المتشددة على الرجال أن يطلقوا لحاهم بالشكل الذي تعتبره إسلامياً. ويجب على النساء أن يغطين أجسادهن من الرأس إلى القدم. وأحيانا يجلد أزواجهن بدلا منهن عن المخالفات.
ولا يسمح لأحد بمغادرة الموصل بدون إذن خاص، وقال سكان سابقون إنهم خشوا من التعرض لإطلاق النار إذا ضبطوا وهم يحاولون الفرار.
جمهورية الخوف في كل يوم جمعة يجبر المتشددون السكان بالقوة على الذهاب إلى المساجد في الموصل لسماع الخطب. ومنذ عامين أعلن زعيم داعش أبو بكر البغدادي نفسه "خليفة للمسلمين في كل مكان" من على منبر في المدينة وتذّكر الخطب السكان بأن كلماته مقدسة.
كما يستخدم داعش المساجد في حث الناس على تبني قضيته، واستهداف من يصفهم بجميع أعداء الإسلام من المالكي وأقرانه الشيعة، إلى زعماء عرب آخرين وإسرائيل والولايات المتحدة.
وكل من وافق على الانضمام "للجهاد" أرسل للتدريب في سوريا المجاورة، وهي جزء من دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم من جانب واحد.
شهادة فار من داعش وقال عبد القادر - وهو أحد الفارين الذين يقيمون في مخيم الخازر - "تحدثت إلى أشخاص ذهبوا إلى سوريا. تعملوا كيفية تثبيت الأحزمة الناسفة وقطع الرؤوس."
وأضاف قائلا "مكثوا هناك ثلاثة أشهر أو نحو ذلك. البعض كانوا صغارا. صبية في العاشرة من العمر. البعض كانوا في الخامسة عشر. بعض هؤلاء رفضوا كل هذا لكنهم اضطروا للتظاهر بتأييد داعش وإلا كانوا سيواجهون العواقب."
وفي وقت متأخر من إحدى الليالي داهم مقاتلو تنظيم داعش منزله وعصبوا عينيه، وألقوا به في سجن كان تابعاً ذات يوم لقوات الأمن في عهد صدام. بعد أربعة أيام ظهر في قاعة محكمة تعج بالمعتقلين. كانت جريمته محاولة تدبير قوت يومه من خلال بيع السجائر. ولم يظهر القاضي أي تعاطف.
وقال عبد القادر الذي ظل معصوب العينين خلال فترة محنته كاملة "سألني لماذا أبيع السجائر. قال إنها تتنافى مع الإسلام. قلت له إني أواجه صعوبة شديدة في كسب قوت يومي لأنه لا توجد وظائف."
ومضى قائلا "قال خذوه وإجلدوه 55 جلدة... كان كرباجا من الجلد... لم أستطع النهوض من الفراش لثلاثة أيام."
هدم التنظيم أضرحة ومساجد وكنائس ونشر صورا للدمار في مواقع على الإنترنت. وإلى جانب الخوف أصبحت المعيشة أكثر صعوبة. فقد الكثيرون وظائفهم مع تدهور الاقتصاد المحلي.
500 دينار للبطاقة الصحية قال سليمان (62 عاماً) لرويترز إنه كان في عمله حين دخل مقاتلو داعش الموصل. وعند عودته إلى حيه التقى وجها لوجه بمتشددين يرتدون ملابس باكستانية تقليدية، فيما يمثل تذكرة بقدرة التنظيم على تجنيد عناصر من كل حدب وصوب. وسرعان ما وجد نفسه يواجه مصاعب مالية كبيرة. يقول "في نهاية المطاف نفدت أموال الكثيرين. لكن داعش كان يضغط مالياً على الجميع. كنا ندفع 500 دينار للحصول على بطاقة صحية. في وجودهم كان المبلغ 2000 دينار".
ومضى قائلا "كان الأطباء يطلبون مبالغ مالية كبيرة وكانت الأموال تذهب لهم. أو كانوا يطلبون منك التبرع للأعمال الخيرية باسم الإسلام، ثم يعطون المال لأقاربهم."
ومثلما حدث لكثيرين آخرين حوصر سليمان في الصراع، الذي وضع المتشددين في مواجهة الجيش العراقي وحلفائه الغربيين. أصابت ضربة جوية منزله لكن داعش لم يقدم له تعويضا يذكر. وقال "انهار منزلي وكل ما أعطوه لي كان 30 كيلوغراما من القمح."
على بعد بضع خيام قالت سحر عابد إنها تريد أن تنسى المعاناة. وأضافت بينما كان عامل إغاثة يسجل أسماء النازحين "كان الناس يبيعون ما لديهم من عبوات البنزين. اضطررت لبيع بعض ملابسي."
ويقول مسؤولون عراقيون وأكراد إن بعض سكان الموصل حملوا السلاح ضد داعش أخيرا، بدافع السخط كما شجعهم تقدم القوات العراقية التي سيطرت على قرى قريبة ووصلت إلى قطاع من الموصل.
ويشير التاريخ إلى أن المتشددين يردون على أي مظاهر للسخط بوحشية، خاصة بعد أن فقدوا السيطرة على مدينتي الفلوجة والرمادي هذا العام.
زرعوا المتفجرات في كل مكان في الموصل وأقاموا شبكة أنفاق معقدة، وهي كلها أمور من شأنها إبطاء تقدم القوات، وهو ما يضع السكان تحت رحمة المتشددين.
وقال أبو سعيد الذي نزح إلى المخيم أيضا "قبل نحو أسبوع سمعنا دوي إطلاق نار في الثانية صباحا. كانوا أناسا قتلوا جهاديين."
وأضاف قائلا "في هذه الحالات يلقي داعش القبض على مجموعة من الناس ويجعل منهم عبرة. أخذوا أناسا من منازلهم وأجبروهم على مشاهدة رجلين مستلقيين على بطنيهما في الشارع بينما كانت سيارة تدهسهما". المصدر: رويترز