القصة الكاملة لـ«مقتل» الأب باولو دالوليو على يد «داعش»
بقلم : صهيب عنجريني أثار الأب باولو دالوليو الجدل مرات عدة على امتداد الأزمة السورية. أعلن تأييده لـ«الثورة»، وزار «ثوّار القصير»، ثم دخل مدينة الرقة عبر تركيا، قبل أن يختفي فيها، لتسري بعدها أنباء عن اختطافه من قبل تنظيم «داعش» ثم قتله
منذ اختفائه في 29 تموز 2013، خاض كثيرون في قضية الأب اليسوعي باولو دالوليو (59 عاماً)، ليكون نصيبها كلاماً كثيراً وروايات مختلفة، وحقائق قليلة. تنشر «الأخبار» في ما يلي معلومات عن مصير الكاهن الإيطالي، ومستجدات قضيّته.
وفي المعلومات أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» كان ينظر بريبة إلى الكاهن منذ دخوله محافظة الرقة التي لم تكن قد باتت تحت سلطة «داعش» بعد. ويشرح مصدر «داعشي» مرتبط بالتنظيم لـ«الأخبار» أن «مسيرة القتال علّمتنا ألا نثق بغير أبناء الملّة بسهولة، مهما أبدوا من مزاعم حول وقوفهم في صف المقاتلين. فالكذب والغدر شيمتان أساسيتان لدى هؤلاء». وانطلاقاً من هذه النظرية، حامت الشبهات حول الأب، لا سيّما مع إصراره على لقاء قادة في التنظيم. لم يشفع للأب باولو موقفه من السلطات السورية، ولا إعلان الأخيرة أنه شخص غير مرغوب فيه على أراضيها «لأنه خرج عن نطاق مهمته الكنسية». ويشير المصدر إلى أنّه «كان كلّ ذلك قابلاً للشك. وقد أبلغتنا بعض الجهات المسلمة الصديقة حينها أن مخابرات النظام فعلت ذلك تمهيداً لدس النصراني في صفوف الإخوة المجاهدين». ويضيف: «كذلك تبيّن لاحقاً أن للنصراني سجلّاً حافلاً في التعامل مع أجهزة الاستخبارات الكافرة».
لا تفاصيل دقيقة حول حيثيات الاحتجاز، لكن المؤكد أنّ الأب ذهب إلى لقاء «داعش» بنفسه، بعد أن دخل الأراضي السورية (التي غادرها مُبعداً) عبر البوابة التركية الواسعة وتوجه إلى مدينة الرقة، فجال فيها، والتقى بعدد من «الثوّار» والناشطين وفق برنامج مُعدّ سلفاً. وكان هذا البرنامج يتضمّن أيضاً لقاء قادة «داعش»، لأسباب كثيرة، لا تقتصر على محاولة التوسط للإفراج عن صحافيين فرنسيين اثنين يحتجزهما التنظيم. ولا علاقة لها بملف المطرانين المخطوفين، يوحنا إبراهيم وبولس يازجي.
حقيقة إعدام الأب باولو بعد احتجازه لفترة، والتحقيق معه مرات عدّة، قرر قادة التنظيم التجاوب مع بعض الجهات الراغبة في التفاوض حول إطلاق سراح الأب باولو. وتمحورت مطالب التنظيم حينها حول «فدية مالية ضخمة جداً، وغير مسبوقة»، وفقاً لمصدر سوري معارض اطّلع حينها على مجريات التفاوض. لكن الجهات المفاوضة أبلغت «داعش» أنّ «المبلغ المطلوب فلكي»، وطلبت «طرح رقم منطقي يشي بجدية التنظيم»، ليأتي الردّ عبر تسريب أنباء مغلوطة تقول إن «داعش أعدم الأب باولو بعد ساعتين من احتجازه». «ربما أرادوا القول حينها إن هذه هي الجديّة التي نُتقنها»، يقول المصدر المعارض، مضيفاً: «في سوريا نَصِف إجراءً كهذا بأنه تحلاية بازار (وسيلة ضغط للحصول على مبلغ أكبر)».
... عقبة «شرعيّة» بعد سريان إشاعة مقتله، سرّب «داعش» عبر قنوات خاصة تطمينات بأنّ الأب ما زال حيّاً، وأنّ «العرض ما زال قائماً شريطة عدم التطاول على الدولة عبر اتهامها بعدم الجديّة». واتفق الطرفان على مواصلة التفاوض، بعيداً من الضغط الإعلامي. فلم يقُم أحدهما بتكذيب الإشاعة. لكنّ عقبة جديدة برزت، مفادها إصرار التنظيم على «تسليم الكاهن إلى النظام السوري حصراً، لا إلى المعارضة»، وانطلاقاً من «فتوى صادرة عن شرعيي داعش» تقول إنّ «التعامل مع النصيري في حال الضرورة أفضل من التعامل مع المُرتد»، فالتعامل مع هذا الأخير «محرّم تحريماً قطعيّاً وباتاً». ولأنّ «كل فصائل المعارضة السورية مرتدّة إلا من كان منها موالياً لداعش»، فسيغدو تسلمهم للكاهن أمراً مستحيلاً.
أصيبَ المفاوضون بخيبة جديدة، وحاولوا إقناع «داعش» بتجاوز هذا الشرط، عبر تأكيدهم أنه «لا حماسة متوقعة من قبل النظام في هذا الشأن، كذلك فإنّ الجهة التي ستدفع الفدية تتمسك بحقها في تسليم الأب إليها، أو إلى أحدٍ من حلفائها». وكان ردّ التنظيم سلبيّاً، لتتعرقل المفاوضات من جديد.
آخر المستجدات تؤكد معلومات «الأخبار» أن الأب باولو ما زال حياً في قبضة «داعش». وقد نقل منذ وقت طويل إلى ريف الرقة الشمالي، وعلى وجه التحديد إلى منطقة تل أبيض، على مقربة من الحدود التركية. تجددت المفاوضات أخيراً، فدخلت الحكومة الإيطالية على خط التفاوض بشكل مباشر. وفي المعلومات أيضاً أن وفداً إيطالياً زار المنطقة منذ قرابة شهر، وقد التقى الوفد بالأب باولو، وجالسه لمدّة ساعتين. كذلك أجرى الوفد مباحثات مع الخاطفين، ووُضعت على الطاولة احتمالات عدّة، من بينها الإفراج عن الأب ضمن صفقة واحدة مع المطرانين إبراهيم واليازجي، فيما تمّ استبعاد خيار إطلاق سراحه وحيداً، ومن دون مواكبة إعلامية، على غرار ما حصل في شأن عدد من الصحافيين.
في سوريا... منذ الثمانينيات ولد باولو دالوليو في العاصمة الإيطالية روما. كان والده قد شغل مناصب سياسية متقدمة في الحزب المسيحي الديمقراطي. أما الابن فقد انخرط في بدايات حياته في صفوف الحزب الاشتراكي الإيطالي. بدأ حياته الكهنوتية في سلك الرهبنة اليسوعيّة. درس الفلسفة في جامعة نابولي. وفي أوائل الثمانينيات توجّه إلى دمشق لدراسة اللغة العربية، وتسجل في كلية الشريعة في جامعة دمشق تحت صفة «مُستمع». وفي 1982 اختار التوجه إلى دير مار موسى الحبشي (80 كيلومتراً شمالي دمشق)، وكان مهجوراً حينها. وكان للأب دور أساسي في عملية ترميم الدير بدءاً من عام 1984. حصل على درجة الدكتوراه من كلية «البروباغندا فيدا» في روما عام 1989 عن رسالة بعنوان «مفهوم الرجاء في الإسلام». وفي 2010 أصدر بياناً نفى فيه ارتباطه بـ«المسار الإبراهيمي»، بعد أن اعتبرته السلطات السورية «حجّاً يهوديّاً يخترق الصراع مع إسرائيل في صميمه». وخلال الأزمة السورية أثار الكاهن الإيطالي الجدل مراتٍ عدة، من خلال مواقفه المؤيدة لـ«الثورة»، وقيامه بزيارة مدينة القصير (ريف حمص) ثمّ بعد زيارته للرقة، واختفائه فيها، بعد أن غادر الأراضي السورية رسميّاً إثر إعلانه «شخصاً غير مرغوب فيه لخروجه عن نطاق مهمته الكنسية»، ثم إنهاء خدماته من قبل بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام المصدر: الأخبار