تدمير وتخريب المساجد ومقامات الأنبياء والصالحين يخالف الإسلام
مئات المساجد على امتداد التراب السوري تعرضت للتدمير والتخريب الممنهج من قبل الميليشيات المسلحة التي اتخذت من بيوت الله أمكنة تتحصن وتمترس وتعقد فيها اجتماعاتها، لا بل جعلت منها أماكن لتخزين السلاح ومشافٍ ميدانية. هذا الاستخدام تسبب بتعرض المساجد للتدنيس اولا ثم التخريب والتدمير والسلب والنهب على الرغم مما يجب ان تحمله من رمزية دينية وتاريخية وأثرية كبيرة الاهمية تستوجب أن تكون خارج دائرة أي صراع أو نزاع مسلح.
ظاهرة التخريب هذه شملت العديد من المساجد والمقامات الدينية في ريف دمشق وحمص وحلب والرقة ودرعا. وربما تكون محافظة حلب أكثر المحافظات التي تعرضت فيها المعالم الدينية للتخريب والسرقة. فالجامع الأموي الكبير، يعتبر درة مساجد الشمال السوري، وأحد المعالم الإسلامية التاريخية فيها، وأحد المواقع المسجلة على لائحة التراث العالمي، تعرض لأضرار كبيرة جراء تدمير معظم أجزائه، خاصة مئذنته التاريخية بعدما فجرتها "جبهة النصرة ". ولم يقتصر الأمر على تدمير المسجد فقط، بل وصل الامر إلى حد نهب "المكتبة الوقفية" داخل المسجد التي تعد من أهم المكتبات الإسلامية في الشرق الأوسط وتقدر قيمتها الفعلية بمئات ملايين الليرات السورية.
الجامع الاموي الكبير بحلب
وقال رئيس اتحاد غرف السياحة السوريّة محمد مارتيني إن "المكتبة الوقفية تحتوي على ما يقارب 750 ألف مخطوطة أثرية وكتاب قيم وأثري لا يمكن أن نجده حتّى في مكتبات آيا صوفيا وأحمد الثالث في تركيا. هذه المخطوطات النادرة الموجودة في المكتبة ليست ملكاً للشعب السوري فحسب بل للإنسانية جمعاء، لكن الجماعات الارهابية قامت بسرقتها ونقل أجزاء منها إلى مكان ما في تركيا، إضافة إلى السرقات التي طالت المتاجر الكبرى والأسواق الأثرية".
وفي حلب ايضاً، تعرضت مساجد اثرية اخرى للتخريب، منها جامع الصاحبية (جامع فستق في منطقة خان الوزير، وهو أحد المساجد القديمة يعود تاريخه إلى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي ويعد أحد المعالم التاريخية في مدينة حلب. كما تعرض جامع الرحمن في منطقة السريان لأضرار مادية جراء استهدافه بقذائف هاون".
جامع الصاحبية في حلب ـ خاص "العهد"
تدمير المقامات والمساجد
وبحجة "بدعة" بناء القبور على الاموات مخالف لشريعة "جبهة النصرة" ويستوجب هدمها، تعرض مقام نبي الله ابراهيم عليه السلام في قرية عين العروس في محافظة الرقة للتفجير ثم للجرف وبالتالي تسويته بالأرض .
وفي ريف دمشق ، لم تسلم المقامات من التدنيس والتدمير والتخريب، فمقام حفيدة الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنت الامام الحسين (عليه السلام) السيدة سكينة في منطقة داريا بريف دمشق تعرض للتدنيس والتخريب إذ قامت الجماعات التكفيرية خلال تواجدها في داريا بحرق مكتبة المقام ونهب محتوياته وأثاثه وإضرام النيران في قاعاته. كما قامت الجماعات المسلحة باستخدامه كمستودع للأسلحة والذخيرة، وقبيل سيطرة الجيش العربي السوري على المقام ، قامت الجماعات التكفيرية بتفخيخ المقام وزرع عبوات فيه تمكن الجيش من تفكيكها.
أضرار في قبة مقام السيدة سكينة(ع)
كما تعرض جامع التوبة في بلدة زملكا بريف دمشق للتخريب من قبل الجماعات التكفيرية وكذلك جامع الحسن والحسين وجامع الخلفاء الراشدين في داريا.
وفي حمص ، كان للمساجد هناك نصيب اكبر من التخريب والتدمير، فمسجد خالد بن الوليد الذي يحتوي على رفاة الصحابي خالد بن الوليد، تعرض لدمار وخراب كبيرين بعد تحويله ثكنة عسكرية للجماعات المسلحة التي فخخته قبل الانسحاب منه لاتهام الجيش العربي السوري بتدميره ، وهو ما أكده لموقع "العهد" الاخباري رئيس مجلس محافظة حمص سليمان المحمد .
دمار في جامع خالد بن الوليد
كما تعرض مسجد قباء حي الإنشاءات في حمص للدمار جراء تفجير التكفيرين لسيارة مفخخة قربه اسفر إلحاق أضرار مادية كبيرة بالمسجد، إضافة إلى تعرض جامع المريجة في باب السباع لدمار وتخريب محتوياته من قبل المجموعات المسلحة.
وفي درعا، يعد الجامع العمري أحد المعالم الدينية والأثرية في المحافظة، وقد ارتبط اسم هذا المسجد مع بدء الأزمة السورية، إذ حولته الجماعات المسلحة الى مستودع لتخزين الأسلحة والأدوية ومركزاً لتواجدها، وهو تعرض لأضرار مادية كبيرة بعدما تحصنت عناصر هذه المجموعات بداخله، ومن ثم تفخيخ مئذنته التاريخية التي ألحقت بها اضرار كبيرة.
دمار في الجامع العمري في درعا
وقال نائب رئيس دائرة آثار بصرى سليمان الشحمة في حديث لموقع العهد "الاخباري" أن الجامع بالعمري بني بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب عندما زار درعا، ويعد هذا الجامع في المرتبة الثانية بعد مسجد الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومكة والمدينة والمسجد الأقصى، لذلك هو حظي باهتمام كبير لتأهيله سياحيا وترميمه وإصلاحه من قبل وزارة السياحة ومديرية الآثار، الأمر الذي جعله يشهد إقبالاً كبيراً ، خاصة في فصل الصيف حيث تنشط الحركة السياحية.
استهداف التاريخ
هذا الاستهداف الممنهج والمتعمد للمساجد والمقامات رأت فيه وزارة الاوقاف استهدافا لتاريخ سوريا وقال مدير دار الإفتاء في وزارة الأوقاف علاء الزعتري في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن "من يستهدف المساجد والمقامات الإسلامية لا يستهدف فئة أو مذهبا بعينه انما هو معادٍ للتاريخ، كما حصل في استهداف قبور الأنبياء والصحابة وأضرحة الأولياء وأتباع آل البيت عليهم السلام في محافظات حمص وحلب وريف دمشق وأماكن أخرى. هذا يعني طمسا للتاريخ من ذاكرة الإنسان، وإذا كان الاختلاف سنة من سنن الكون، فلماذا يريد هؤلاء المجرمون أن يكون الناس على طبيعة واحدة وفكر واحد من دون أن يكون هناك تعدد في الطروحات والمفاهيم والرؤى والأهداف؟!".
الدكتور علاء الزعتري
وأضاف الزعتري :" نقول لمن يحمل في قلبه حقداً ويتضايق من وجود هذه المقامات ويريد تدميرها، إذا أردنا أن نلغي كل الأماكن التاريخية، فمن المفترض ألا يبق شيئا من خيبر أو من بني قريضة أو بني نضير! أما أن تحافظ على تلك الآثار وتهدم آثار دينية وأوابد تاريخية لها تذكير بأيام الله، فإن هذا من أسوأ ما يقوم به الإنسان. لماذا لا تحتملون وجود قبر يُزار أو مكان يؤم؟!" .
وتابع الزعتري:" الإنسان بلا جذور لا قيمة له، والمؤمن بلا تاريخ لا يمكن أن يصنع مستقبلا، لذلك ذكرنا القرآن الكريم بتاريخ الأنبياء والمرسلين ليربطنا بهذه القيم الاخلاقية والتربوية التي وجدت لصالح الإنسان، وكان الرسول الأكرم (ص) يحثنا على زيارة القبور لأنها تذكرنا بوجودنا وبدئنا وانتمائنا ومصيرنا وبالتالي وجود المقامات والأضرحة وهذه الهامات التي لها جذور وعمق في التاريخ ، هي من أيام الله التي أمرنا في القرآن أن نتذكرها ونذكرها ونتواصل معها من أجل وجودنا الحاضر ومستقبلنا الزاهر. إن من يستهدف هذه الأضرحة والمقامات إنما يريد اجتثاث الإنسان من عقيدته وانتمائه وأرضه ليجعله ريشة في مهب الريح لا قيمة له ولا انتماء". المصدر: موقع "العهد" الإخباري الشيخ محمود العداي
من ناحيته أكد الامين العام لمنظمة الميثاق الإسلامي والناطق الرسمي باسم المجلس الإسلامي الجعفري الشيخ محمود العداي أن "التعرض للمساجد والمقامات يخالف شرع الله والمنطق والحجة "، مشيراً إلى أن" الاعتداءات المتكررة على المعالم الدينية من مساجد ومقامات دينية تعود لآل البيت عليهم السلام تدلل على الحقد الطائفي والمذهبي الذي تحمله الجماعات التكفيرية. المصدر: موقع "العهد" الإخباري