حذّرت منظمة «أطباء بلا حدود» من أنّ الفلسطينيين يواجهون تهجيراً جماعياً قسرياً في جميع أنحاء الضفة الغربية على يد القوات الإسرائيلية والمستوطنين، ما يزيد بشكلٍ كبير من خطر التطهير العرقي في الأراضي المحتلة.
وحثّت المنظمة الدول، ولا سيما تلك التي تربطها علاقات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية وثيقة مع إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على ممارسة ضغوط جدّية لوقف الممارسات التي تضر بالفلسطينيين وتُهجّرهم، وضمان إنهاء الاحتلال غير القانوني بموجب القانون الدولي.
وقالت منسّقة مشاريع «أطباء بلا حدود» في جنين وطولكرم، سيمونا أونيدي: «على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدنا تأثير القوة المفرطة والسيطرة التي تمارسها القوات الإسرائيلية والمستوطنون على الشعب الفلسطيني، والتي بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية في غزة، وتصاعد القمع العسكري وعنف المستوطنين في مختلف أنحاء الضفة الغربية».
وأضافت: «تتجذّر هذه الممارسات في عملية الاستعمار الاستيطاني الأوسع نطاقاً، إذ يؤدي خطر التطهير العرقي المتجسد في تهجير السكان الفلسطينيين إلى ترسيخ تغيير ديموغرافي دائم».
تكتيكات التهجير تتوسع وتشتد
واعتبرت المنظمة أنّ مخطط «إي 1» الاستيطاني الذي أُقرّ أخيراً سيقسم الضفة الغربية بالكامل، ويعزل شمالها عن جنوبها، ويفصل القدس الشرقية عن بقية الضفة، مشيرةً إلى أنّ المشروع «يمثل إحدى أوضح محاولات السلطات الإسرائيلية أخيراً لقتل أي أفق لمستقبل فلسطيني».
كما لفتت إلى أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية منذ بداية العام تسبّبت في تهجير 40,000 شخص في شمال الضفة الغربية، بحسب الأونروا، إذ اقتُحمت ثلاثة مخيمات للاجئين وأُخليت بالقوة، ودُمّرت منازل وبنى تحتية مدنية بما فيها مدارس ومراكز رعاية صحية، ما يزيد احتمال تحوّل النزوح إلى دائم.
ومنذ كانون الثاني 2023، نزح 6,450 فلسطينياً جراء هدم المنازل. وفي شهري نيسان وأيار 2025، قدّمت «أطباء بلا حدود» دعماً مادياً ونفسياً لسكان هُدمت منازلهم في 12 موقعاً بمحافظة الخليل، حيث هُجّر قسراً 246 شخصاً بينهم 97 طفلاً على الأقل.
استمرار عنف المستوطنين بإفلات من العقاب
تؤكد المنظمة أنّ هجمات المستوطنين تزيد مستويات التهجير، وغالباً ما تُنفَّذ بإفلات كامل من العقاب وتحت حماية الجيش. فمنذ بداية 2023، هُجّر نحو 2,900 فلسطيني بسبب عنف المستوطنين وقيود الحركة التي تحول دون حصول الفلسطينيين على الخدمات الأساسية. ومنذ حزيران 2025، تتعرض معظم قرى مسافر يطا يومياً لهجمات المستوطنين وعمليات التفتيش العسكرية.
وفي تقييم أجرته المنظمة على 197 أسرة في محافظة الخليل، تبيّن أنّ الأسر التي تعرض أحد أفرادها للعنف كانت أكثر عرضة بمقدار 2.3 مرة للإصابة بأعراض الضائقة النفسية الشديدة. كما أفادت 28.1% من الأسر أنّ فرداً واحداً على الأقل من أفرادها تعرض للعنف في الأشهر الثلاثة الماضية.
قيود مشددة على الحركة والخدمات
أشارت المنظمة إلى أنّ الفلسطينيين في الضفة الغربية يواجهون حواجز مادية مرهقة صُمّمت لجعل حياتهم غير قابلة للعيش وإبعادهم عن أراضيهم. وتشمل هذه القيود الحواجز التي ارتفع عددها، ومنها 36 حاجزاً جديداً أُقيم بين كانون الأول 2024 وشباط 2025 فقط. كما ارتفعت أعداد نقاط التفتيش المؤقتة، إذ بلغت 116 نقطة بين تشرين الأول وكانون الأول 2023، وقفزت إلى 370 نقطة بين كانون الثاني ونيسان 2025.
وأكدت المنظمة أنّ هذه القيود تؤثر بشكل مباشر في وصول السكان إلى مرافق الرعاية الصحية والمدارس وأماكن العمل والخدمات الأساسية الأخرى. ونتيجة لذلك، يلجأ كثير من المرضى إلى عيادات «أطباء بلا حدود» المتنقلة بدلاً من محاولة الوصول إلى المستشفيات، حتى عند الحاجة إلى رعاية متخصصة.
هجمات على مصادر المياه وسبل العيش
كما يواجه الفلسطينيون قيوداً شديدة على الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه التي تتحكم السلطات الإسرائيلية في توزيعها. فمنذ أيار 2025، شهدت محافظة الخليل انخفاضاً كبيراً في إمدادات المياه من شركة إسرائيلية عبر نقطتي ربط رئيسيتين، ما أدى إلى تراجع تجاوز 50% في إمدادات المياه العامة، وأثّر في نحو 800,000 شخص.
إضافةً إلى ذلك، تتعرض سبل العيش الفلسطينية لتهديد متزايد جراء إلغاء تصاريح العمل، والقيود على الحركة التي تمنع العمال من الوصول إلى أعمالهم، والاعتداءات على الأراضي الزراعية ورعاة المواشي، الأمر الذي يقوّض قدرتهم على إعالة أنفسهم.
واختتمت «أطباء بلا حدود» بالتأكيد أنّ السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، القائمة على ضمّ الأراضي، تمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، مشددةً على أنّ «إنهاء الاحتلال يبقى السبيل الوحيد لتخفيف المعاناة الشديدة التي يواجهها الفلسطينيون».