في شهر واحد.. "مصائد الموت" تحصد أرواح 549 من الغزّيين
ببطونهم الخاوية، وصدورهم العارية، ونفوسهم التي تتوق إلى لقمة تسد جوع صغارهم وتطفئ نار العجز التي تحرق قلوبهم، ينطلق الغزيون إلى "مراكز المساعدات الأميركية - الإسرائيلية" والتي يطلقون عليها "مصائد الموت".
فخاخ القتل
فما أن تصل جموع المواطنين المُجوعين حتّى تنهال عليها طلقات الرصاص من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، إذ يقول محمود غراب (27 عامًا) لـصحيفة "الأخبار" إنّه توجّه قبل أسبوعين إلى مركز المساعدات أو ما يعرف بفخاخ الموت الواقعة في محررة (نيتساريم) "من أجل إحضار الدقيق والمواد الغذائية لأختي التي غيبت سجون الاحتلال "الإسرائيلي" زوجها عنها، ولم يعد يتوافر لديها ما يسد جوع أولادها".
ويوضح أنّه خرج في ساعات الفجر الأولى مشيًا على الأقدام ما يقارب كيلومترين و"وقفنا مع جموع الناس بالقرب من وادي غزّة في انتظار ساعة الصفر، وقبل أن تحنْ تلك الساعة بدقائق انطلق أحدهم قائلًا: افتحوا، ليركض الجميع وكأنهم في ماراثون الجري، وينهمر في المقابل رصاص جنود الاحتلال "الإسرائيلي" الذي أصابني في أعلى الفخذ وحرمني من الحصول على ما يسد رمق صغار أختي".
وكما باقي جموع الغزيين المُجوّعين، خرج أحمد سمور (35 عامًا) الساعة الثانية بعد منتصف الليل من بيته شمال قطاع غزّة، متجهًا إلى ما يطلق عليه الغزيون "مصائد الموت"، ويقول لـ"الأخبار": "بقينا في الأحراش طوال الليل بجوار مركز المساعدات حتّى حان موعد فتح البوابة حيث بدأ إطلاق النار علينا بشكل عشوائي، فانطلقت باتّجاه المساعدات زحفًا على بطني حتّى وصلت إلى مكان الطرود الغذائية التي سرقت منها المكونات الأساسية كالدقيق والسكر وزيت القلي بالتعاون مع جيش الاحتلال "الإسرائيلي" الذي يسمح للصوص والمتعاونين معه بالدخول سرًا وجمع ما يلزمهم لبيعها في الأسواق بأسعار فلكية".
ويضيف: "لقد سنحت لي الفرصة بأخذ بعض المواد الغذائية المنثورة على الأرض، وهو ما اضطرني للبقاء في المكان يومًا آخر حتّى نهرب ومن معي في الظلام من قاطعي الطريق".
ويلفت إلى أن العديد من الشهداء والمصابين كانوا يستنجدون من أجل المساعدة "إلا أن هول الموقف وكأنه يوم القيامة يدفعك للهرب من الموت المحقق الذي ربما سيصيبك إن بقيت في المكان"، ويشير إلى عشرات الآلاف من المُجوعين الذين يعودون من دون الحصول على المساعدات بعد نفاد الكمية.
إطلاق نار متعمد
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي أنه بعد شهر كامل على بدء عمل وإنشاء ما يُسمى بـ"مراكز المساعدات الأميركية - الإسرائيلية"، تبين أنها عبارة عن مصائد للموت وفخاخ للقتل والاستدراج الجماعي اليومي، راح ضحيتها 549 شهيدًا، و4,066 إصابةً، و39 مفقودًا، من الفلسطينيين المدنيين المُجوّعين في محافظات قطاع غزّة.
ولفت، في بيان، إلى أن الاحتلال يستخدم الغذاء كسلاح قتل جماعي، ويحوّل ما يزعم أنها "مساعدات" إلى أداة للإبادة والسيطرة، وطالب بفتح المعابر ورفع الحصار عن قطاع غزّة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى 2.4 مليون إنسان مدني فيها، بينهم مليون و100 ألف طفل وأكثر من نصف مليون امرأة.
وكشف تقرير لصحيفة "هآرتس" التابعة للاحتلال "الإسرائيلي" عن اعترافات صادمة لجنود وضباط في جيش الاحتلال "الإسرائيلي" بإطلاق النار المتعمد على المدنيين الفلسطينيين المُجوّعين قرب مراكز المساعدات.
واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي ذلك بمثابة جريمة إعدام جماعي ممنهج ضدّ المدنيين الذين تم تجويعهم وحصارهم لأشهر طويلة، ودليل إضافي على أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" يمارس سياسة منظمة للإبادة، تحت غطاء "الإغاثة".
بدوره، وصف المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني في مؤتمر صحافي نظام توزيع المساعدات الذي أنشئ مؤخرًا في قطاع غزّة بـ"المشين والمهين والمذل بحق الناس اليائسين"، وأكد أنها عبارة عن "فخ قاتل يكلّف أرواح أشخاص يتجاوز عددهم أولئك الذين ينقذهم". وطالب بتمكين "الأونروا" من الوصول إلى القطاع الفلسطيني وإعادة إطلاق جهودها الإغاثية.