لم يكن استشهاد الشابين الفلسطينيين ربيع النورسي ومحمود أبو الهيجا، فجر الأربعاء الماضي، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل حرم مستشفى خليل سليمان (جنين الحكومي)، حادثة منفصلة أو نادرة، بل يمكن اعتبارها ضمن سياسة ممنهجة لاستهداف القطاع الطبي وطواقم الإسعاف في جنين، شمالي الضفة الغربية، منذ ما قبل العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
يقول مدير المستشفى وسام بكر لـ"العربي الجديد": "استهدف جيش الاحتلال، فجر الأربعاء، بالرصاص مجموعة شبان كانوا موجودين عند المدخل الخارجي لقسم الطوارئ، فاستشهد اثنان منهم وجرح 4، علماً أن إطلاق النار حصل لحظة وصول سيارة إسعاف إلى المستشفى، ما هدد أيضاً حياة المريض الذي كان قد وصل إلى قسم الطوارئ وأفراد الطاقم الطبي والإداري في قسمي التسجيل والمحاسبة".
يضيف: "تؤكد كاميرات المراقبة الخاصة بالمستشفى وإفادات شهود أن الشبان المصابين والشهداء أمام مدخل الطوارئ هم مدنيون ولم يكونوا يحملون أسلحة أو معدات قتالية. وعموماً يتكرر استهداف المستشفى مع كل اقتحام لمدينة جنين ومخيمها من خلال إطلاق غاز مسيل للدموع أو رصاص. وإلى جانب استشهاد النورسي وأبو الهيجا في الاعتداء الأخير، قضى شاب بتأثير إصابته في رأسه في اعتداء حصل بعد 7 أكتوبر، وجرح 5 أشخاص بقصف صاروخي نفذته طائرة مسيّرة على دفعتين خلال دقائق أمام المستشفى في يوليو/ تموز الماضي".
ويشرح بكر أن "مستشفى جنين الحكومي يتأثر بأي عمليات عسكرية واعتداءات تستهدف مخيم جنين، لأنه يقع في محيطه ويُفرض عليه حصار متكرر، ما يحدّ من القدرة على الوصول إليه ويجعل الكوادر الطبية العاملة فيه والمواطنين الذين يضطرون إلى الانتقال إليه في دائرة الخطر. وهكذا يضطر مواطنون في كثير من الأحيان إلى قصد مراكز طبية أخرى أو مستشفيات خاصة". ويتحدث عن أن "السلوك العدائي لجيش الاحتلال تجاه مستشفى جنين الحكومي زاد بعد 7 أكتوبر، على غرار التضييق على أفراد الكوادر الطبية الذين تعرضوا لتفتيش وصراخ وإهانات، في حين يفترض أن يكون المستشفى مكاناً آمناً لهؤلاء وأيضاً للمرضى ومرافقيهم".
وإذا كان موقع مستشفى جنين الحكومي يعرّضه لاعتداءات كثيرة، لا يمكن نسيان، في إطار الحديث عن استهداف القطاع الصحي في الضفة الغربية، اغتيال عناصر من القوات الخاصة (مستعربين) تنكروا بلباس أطباء ثلاثة شبان في مستشفى ابن سينا الخاص، وهم شخص عانى من شلل نصفي وشقيقه ومرافقه. وزعم الاحتلال حينها أنه نفذ عملية لاغتيال قادة في كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس وكتيبة جنين – سرايا القدس، في مخيم جنين.
أيضاً امتدت الاعتداءات إلى طواقم سيارات الإسعاف التي تنقل مصابين ومرضى. ويتحدث مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بجنين محمود السعدي، لـ"العربي الجديد"، عن أن الاعتداءات أخذت أشكالاً مختلفة بعد الحرب على غزة، وزادت المضايقات، ويقول إنه "في السابق كان رجال الإسعاف يتعاملون مع جنود الاحتلال في الميدان باستخدام إشارات معينة، لكن هذا الأمر أصبح صعباً حالياً، حيث تتعرض آليات الإسعاف لتفتيش ويمنع وصولها إلى وجهتها، ويعتقل مرضى ومصابون داخلها، ويضرب أفراد طواقمها ويواجهون بالسلاح والتهديدات وصولاً إلى إطلاق النار عليهم أحياناً".
يتابع: "يُسجل في كل عملية لاقتحام جنين ومخيمها منذ ما بعد الحرب على غزة خصوصاً ما بين ثلاثة وأربعة انتهاكات في حق طواقم الإسعاف، وشهدت الأشهر الأخيرة عمليات عدة لاعتقال مصابين ومرضى داخل المركبات. وفي أحد الاعتداءات توجهت مركبة إسعاف تابعة للهلال الأحمر إلى بلدة اليامون لنقل مصاب بجلطة دماغية، لكن آليات الاحتلال قطعت الطريق، ما أجبر سيارة الإسعاف على الرجوع لمسافة 500 متر من دون أن يسمح لها بالاستدارة. وفي النهاية استعين بمركبة من المنطقة ذاتها التي يقطن فيها المريض الذي تأخر نقله نحو ساعة رغم خطورة وضعه الصحي".
ويصف السعدي تنسيق حركة سيارات الإسعاف عبر الصليب الأحمر الدولي بأنه "هزيل ويستغرق أكثر من 15 دقيقة عادة، في حين يحتاج بعض المرضى والجرحى إلى نقلهم أو تقديم علاج عاجل لهم خلال دقائق معدودة".