تتدهور الحالة الإنسانية في شمال وادي غزة بسرعة، حيث يموت المزيد من الناس، ولا سيما الأطفال، جوعاً، فيما للتقليل من وقع الخبر وصدمته، يقول الأطباء إنهم يموتون من آثار الجفاف وسوء التغذية. وفي الوقت نفسه، تعلن كبرى مستشفيات محافظة شمال قطاع غزة، وعلى رأسها «كمال عدوان» و»العودة»، توقفها تماماً عن العمل، جراء نفاد الوقود والشحّ الشديد في المُستهلكات الطبية. أما وزارة الصحة في القطاع، فأكدت، أمس، أن أربعة أطفال توفوا، فيما سبعة آخرون في حالة حرجة، نتيجة الجفاف وسوء التغذية في "كمال عدوان".
كذلك، تحدّث شهود، إلى «الأخبار»، عن ثلاث حالات وفاة بسبب الجوع أو التسمم، حصلت خلال اليومين الماضيين، شملت الطفلة إلهام جحا من حي التفاح، وأنهار الشنباري من بيت حانون، وخالد حجازي من مخيم جباليا. والأولى لم يتجاوز عمرها العشرة أعوام، ويقول الأطباء إنها قضت من آثار سوء التغذية، فيما الحالتان الثانية والثالثة قضى صاحباهما نتيجة إصابتهما بتسمّم بعد تناولهما خبزاً مصنوعاً من أعلاف الحيوانات.
على الأرض، وتحديداً في سوق مخيم جباليا المركزي في محافظة شمال غزة، تبدو بسطات الباعة خالية من كل السلع الأساسية: البقوليات والمعلّبات والطحين، وحتى الطحين المصنوع من علف الدواب، نفد تماماً. المعروض فقط، كميات وافرة من السلع التكميلية، من مثل النسكافيه والمكسّرات الباهظة الثمن، وعلب صلصة الطماطم، والتوابل. ويقول أبو حامد، هو صاحب إحدى البسطات، لـ«الأخبار»، إن «كل ما هو موجود أمامكم، لا يمكن استخدامه كوجبة طعام. تتوفّر لدينا توابل شاورما، ولا يوجد أي نوع من اللحوم. تتوفّر بهارات للسمك، ولا توجد أسماك. تتوفّر صلصة الطماطم ولا توجد المعكرونة».
ماذا يأكل الناس إذاً؟ منذ شهر، تحوّلت أعشاب الأرض الموسمية التي تنبت في فصل الشتاء، إلى وجبة الغذاء الرئيسية للسكان. نباتات من مثل الخبّيزة والسلق، يتناولها الناس بشكل يومي. تنبت تلك النباتات في البرّية، وتباع بأسعار مناسبة. لكن المشكلة، وفق ما تقوله أم شعبان، هي أن «الخبّيزة بحاجة إلى الخبز، والطحين مفقود»، مضيفة في حديث إلى «الأخبار»: «حتى نطبخ الخبّيزة، لازم نفتل طحين القمح أو الذرة. بدون الطحين، طعم الخبّيزة يكون سيئاً جداً، لكن مع ذلك ما بناكل غيرها منذ أسابيع، هي وحدها المتوفّرة. الوجبة الوحيدة في اليوم، هي صحن خبّيزة بدون مفتلة طحين، مع نصف ليمونة».
في مناطق شمال وادي غزة، التي تمنع "إسرائيل" دخول شاحنات المساعدات إليها منذ ثلاثة أشهر، يدفع الناس دماءهم للحصول على كيس واحد من الطحين. ويفرض جيش العدو على سائقي الشاحنات، مساراً محدداً، تُلقى فيه كميات الطحين الشحيحة، في شارع الرشيد بالقرب من دوار النابلسي، فيما يندفع الآلاف من المواطنين، في اتجاه شاحنة طحين واحدة.
هناك، تدور معارك البقاء، وينتهي الحال بأكثر الطحين مخلوطاً بالرمال والوحل. أما حملات «النشامى»، فقد «كسرت»، أول من أمس، للمرة الأولى، حدود الحظر الجغرافي. و«تحدّت» إحدى الطائرات العربية "إسرائيل"، ونفّذت «عملية إنزال جوي» يتيمة، فوق المستشفى الإندونيسي شمال غزة. وفيما تجمّع الآلاف من المواطنين هناك، لم تكن شحنة المساعدات السخية سوى أربع كراتين صغيرة تحتوي واحدة منها على حفاضات «بامبرز» للأطفال، والثانية على 10 كيلوغرامات من المعكرونة، والثالثة على عدد محدود من المعلّبات. عقب ذلك، عاد الناس إلى منازلهم، خائبين، وجائعين.