"إسرائيل" تحرم سكان غزة من اللحوم الحمراء والبيضاء.. ونسب سوء التغذية ترتفع بشكل خطير
القدس العربي ـ أشرف الهور
من بداية سوق مخيم النصيرات الرئيس وحتى نهايته، بحث شقيقان تشاركا في السكن بسبب ظروف الحرب، عن أي كمية من اللحوم سواء الحمراء أو البيضاء، لإطعام أسرتيهما، دون أن يجدا شيئا، بعد أن بات الحصول على اللحوم شبه مستحيل.
انقطاع اللحوم
يقول إبراهيم خليفة الشقيق الأكبر، والذي يستضيف حاليا شقيقه الآخر الذي تضرر منزله ولم يعد صالحا للسكن، جراء غارة إسرائيلية، إن أطفالهما طلبوا وجبة طعام دسمة يكون أساسها اللحم.
ويشير لـ”القدس العربي”، أنه وشقيقه عزما على القدوم للسوق بعد تكرر إلحاح أفراد الأسرتين، على أمل الحصول على كمية ولو قليلة، لينهيا مشوار التسوق، دون أن يحصلا على اللحم.
هذان الشقيقان قالا إن ما توفر من لحوم في السوق، كان القليل من لحم الخراف، والذي يباع بثمن مرتفع جدا، لا يقدران عليه.
وفي هذا الوقت، تباع في الأسواق لحوم الخراف غير السمينة، ويبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد 100 شيكل، أي نحو 30 دولارا أمريكيا، غير أن الوزن الصافي بعد تجريد اللحم عن العظم يكون نصف هذه الكمية، ما يجعل شراءه أمرا ليس يسيرا على غالبية أسر قطاع غزة.
هذا الرجل الأربعيني بعد أن تعب وشقيقه من البحث عن اللحوم، قال إنه لم يواجه هذا الأمر بأن تفتقد موائد الأسرة لوجبات اللحم، على مدار أكثر من ثلاثة أشهر متتالية، بعد أن كانت الأسرة تحرض على تناول اللحوم مرتين أسبوعيا في فترة ما قبل الحرب.
وقد أشار إلى عدم مقدرته على شراء لحم الخراف، إذ تحتاج أسرته وأسرة شقيقه المكونتان من 15 فردا، ما يقارب 4 كيلوغرامات، أي أكثر من 100 دولار، في حال قررا شراء هذا الصنف.
ارتفاع الأسعار
وفي غزة، بعد ارتفاع جنوني في أسعار اللحوم البيضاء “الدواجن”، وفي لحوم الأبقار، خلال الأسابيع الأولى للحرب، اختفت هذه الأصناف من الأسواق، بعد نفاد كامل الكميات التي كانت في المزارع، ولم يعد إلا القليل من مزارع الخراف، والتي يؤكد أحد تجارها أنها في طريق النفاد أيضا.
وحاليا، لم يعد هناك أي مزارع دواجن عاملة في غزة، خاصة وأن معظم هذه المزارع كان يقام في مناطق الحدود الشرقية للقطاع، التي تكثر فيها عمليات جيش الاحتلال البرية، فيما تعرضت الكثير من المزارع للاستهدافات المباشرة، فأتت عليها.
وبسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ اليوم الأول للحرب التي بدأت يوم السابع من أكتوبر الماضي، لم تسمح سلطات الاحتلال بدخول أي شحنات من العجول.
وفي غزة أيضا، لم يقدم أحد من مربي الدواجن على نقل المزارع إلى مناطق داخل مراكز المدن أو المخيمات، في ظل الاستهدافات المستمرة للطيران الإسرائيلي، وبسبب نفاد الأعلاف المخصصة لها.
كما اختفت الأسماك التي كان يعتمد عليها سكان قطاع غزة كثيرا في وجباتهم الرئيسية، بسبب منع سلطات الاحتلال الصيادين من العمل في البحر.
وبمخاطرة كبيرة، يقوم بعض الصيادين برمي شباكهم على بعد عشرات الأمتار فقط من سواحل مناطق جنوب قطاع غزة، وفي كثير من الأوقات تلاحقهم نيران الزوارق الحربية الإسرائيلية، التي أسقطت ضحايا بينهم.
ولا توفر هذه الطريقة إلا كميات قليلة من الأسماك، وتباع حال جرى صيدها بأثمان مرتفعة جدا.
غياب منذ شهور
بعد أن يئست سهام علي، وهي سيدة نازحة تقيم وأسرتها في أحد “مراكز الإيواء” بمخيم النصيرات، من الانتظار أمام مركز لتوزيع الدواجن المجمدة، على أمل شراء اثنتين منها، لطهيها لأسرتها، عادت وهي تتمتم وتلوم القائمين على الأمر.
هذه السيدة قالت لـ”القدس العربي”، إنها توجهت مبكرا فجر الجمعة، إلى نقطة التوزيع المخصصة للبيع، كما قرأت الإعلان من قبل الجهات الرسمية، لتجد أعدادا كبيرة من السكان تنتظر مثلها. وبسبب التدافع والازدحام، لم تقدر على الوقوف في الطابور الطويل، والذي من المحتمل أن تنفد الكمية المتوفرة، فيما يبقى في خارج المكان مواطنون كثر ينتظرون دورهم.
وتقول: “آخر مرة أكلنا فيها لحمة كانت قبل ثلاثة أشهر”، وتشير إلى أن ذلك كان عن طريق “تكية” طعام، أحضرت كمية قليلة إلى “مركز الإيواء” الذي تقيم فيه أسرتها.
وتوضح أنها تشعر بأن أطفال الأسرة وشبابها أصيبوا بـ”الهزل” بسبب اعتمادهم على الطعام المعلب، الذي يصل إليهم من خلال طرود المساعدات الغذائية.
سوء تغذية
وحذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، من أن “المجاعة تتعمق” في القطاع، وتهدد حياة مئات آلاف من الأطفال والنساء، بسبب استمرار الحرب.
وأشار إلى أن هذه المجاعة تتعمق بشكل أكبر في محافظتي غزة والشمال، وهو أمر أكد أنه “ينذر بكارثة إنسانية عالمية قد يذهب ضحيتها أكثر من 700 ألف مواطن فلسطيني ما زالوا يتواجدون في هاتين المحافظتين”.
واتهم في ذات الوقت، دولة الاحتلال بأنها بدأت بتنفيذ “سياسة التجويع والتعطيش وصولا إلى المجاعة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد المدنيين والأطفال والنساء”.
كما دعا لرفع الحصار وإدخال 10 آلاف شاحنة مساعدات خلال يومين بشكل مبدئي وفوري وعاجل “قبل وقوع الكارثة الإنسانية”.
وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري اتهم إسرائيل بـ”استخدام الجوع سلاحا لإيذاء وقتل المدنيين في غزة”. وقال إن سكان القطاع باتوا يشكلون نسبة هائلة من جوعى العالم.
وأشار في مقالة له إلى أن 335 ألف طفل دون سن الخامسة يتعرضون لخطر “سوء التغذية الحاد، مع استمرار تزايد خطر المجاعة”، وأضاف: “بسبب سوء التغذية، يتعرض جيل كامل لخطر المعاناة من إعاقات جسدية وإدراكية دائمة”.
كما أكدت منظمة الطفولة العالمية “اليونيسيف”، أن 90% من أطفال غزة يعانون سوء التغذية، وذكرت هيئات أخرى أن سلطات الاحتلال ترفض غالبية طلباتها لإيصال المساعدات لسكان مدينة غزة والشمال.