تعذيب وتفتيش عار لأسيرات غزة أثناء اجتياج جيش الاحتلال للأحياء السكنية
يروى فلسطينيان من قطاع غزة أفرج عنهما منذ أيام، تفاصيل صادمة لظروف الاحتجاز وأساليب التحقيق التي يتبعها الجيش الإسرائيلي من تعذيب وترويع، بدءاً من لحظة الاعتقال حتّى الإفراج.
ويقول الرجلان، اللذان أمضيا أكثر من 50 يوماً في الاعتقال، في حوارين منفصلين إن الفلسطينيات اللواتي اعتقلهن الجيش لم يسلمن من التفتيش العاري والمتكرر والمؤذي.
إلى جانب ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي يتبع سياسة “الترويع للمعتقلات والإيهام بالقتل منذ لحظة الاعتقال الأولى”.
كما يتعرض المعتقلون لـ “أشكال متعددة من التعذيب، من ضرب مبرح وعقاب جماعي وإطلاق كلاب الشرسة نحوهم”، وفق قولهما.
وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية برية في قطاع غزة. ومنذ منتصف ديسمبر/كانون أول 2023 بدأ بالانسحاب تدريجياً من مناطق بمحافظة شمال القطاع، ليتبعها، في بداية يناير/ كانون الثاني المنصرم، انسحابات جزئية من أحياء ومناطق بمحافظة غزة.
تفتيش عار
عبير غبن، التي اعتقلت من بلدة بيت لاهيا (شمال)، تقول إن اعتقالها جاء بعد قصف تعرضت له المدرسة التي كانت تلجأ إليها رفقة أطفالها.
وتضيف غبن (أم لثلاثة أطفال أعمارهم 9 و7 و5 سنوات): “قررنا ترك البلدة بعد اقتحام الجيش لها، والتوجه نحو مدينة رفح عبر الممرّ الذي ادعى الاحتلال أنه آمن”.
وتوضح أنها خلال رحلة النزوح ومرورها بحاجز عسكري إسرائيلي، أمرها الجيش بالتوجه إليه منفردة فيما طلب من الأطفال الثلاثة إكمال سيرهم وحيدين.
وبعد أن اتجهت نحو الجيش، سألها الجنود عن “اسمها ورقم هويتها”، فيما طلب منها بعد ذلك بالتوجه خلف أكوام من الرمال، وفق قولها.
وتضيف: “كنت أمشي وأعرف أنني أتوجه نحو الموت والإعدام، حيث كان يصدر صوت إطلاق رصاص بعد توجه الفلسطينيين إلى هناك، ما يوحي بإعدامهم”.
لكنها فوجئت حينما وصلت إلى تلة الرمال بتشغيل الجيش لتسجيل صوتي يتضمن إطلاق الرصاص من باب ترويع المعتقلين.
وتكمل قائلة: “هناك كان يوجد خيمة مفتوحة، يطلب الجيش منا نزع ملابسنا كاملة والخضوع للتفتيش”، ومن يرفض ذلك، يهدده الجنود بالقتل الفوري.
تفتيش متكرر
تقول إنها خضعت لعدة مرات من التفتيش العاري الذي يتخلله أذى جسدي، وتوضح: “في أول مرة نزعت ملابسي وتم تقييد اليدين وتعصيب العينين ومن ثم التفتيش، ليتم مطالبتي بارتداء ملابسي ثانية”. في البداية، وضعوا المعتقلين في مكان ترجح غبن أنه خيمة، وبدأ الجيش بطرح أسئلة عليهم مرتبطة بالانتماء لحركة “حماس”.
وتكمل: “بعد التحقيق ألقى بي الجيش خارج المكان الذي كنا به، وقضيت وقتاً طويلاً جداً، ومن ثم حملوني بشيء لا أعرف ما هو، ونقلوني من هذا المكان”.
وتذكر غبن أنها والمعتقلين ناموا ليلة كاملة في العراء وسط أجواء شديدة البرودة، على أرضية مفروشة بالحصى.
وصباح اليوم التالي، اقتيد المعتقلون إلى مكان آخر تم فيه نزع ملابسهم وتفتيشهم بآلة فحص الجسم فضلاً عن التفتيش اليدوي، وفق قولها.
كما تعرضوا للمرة الثالثة، وفي مكان ثالث (مجهول)، لتفتيش عارٍ، ثم تم الطلب من المعتقلين بعده بارتداء ملابس جلبها الجيش.
وفي آخر محطات الاقتياد، وصل المعتقلون مكاناً تعتقد غبن أنه “قن للدجاج”، حيث تم إجبارهم على الدخول، ومن ثم الطلب منهم بنزع الملابس مجدداً.
وفي هذه المرة، خضع المعتقلون لتفتيش عبر جهاز الفحص ويدوياً طال الجلد واللحم بشكل قاس ومؤلم، وفق قولها.
لحظة الإفراج
رغم مرور 53 يوماً داخل المعتقل، إلا أن فرحة غبن بالإفراج عنها لم تكتمل، خاصة أنها كانت تجهل مصير ومكان أطفالها الثلاثة.
كان مصير أطفالها هو شغلها الشاغل داخل المعتقل، حيث أصيبت بارتفاع في ضغط الدم لعدم معرفتها وضعهم.
وتضيف: “ضغط الدم لدي كان مرتفعاً جداً، وكنت أموت يومياً من خوفي على أطفالي، وعدم معرفتي مصيرهم”.
وفي وقت وجيز من الإفراج، التقت غبن بأطفالها الثلاثة الذين كانوا يتواجدون لدى أقاربهم في أحد مراكز الإيواء.
ما تعرضت له غبن داخل المعتقل الإسرائيلي، مشابه لما تعرضن له عشرات الفلسطينيات اللواتي لم يفرج عن بعضهن بعد، وفق قولها.
وختمت قائلة: “كافة الأسيرات اللواتي تم اعتقالهن وما زلن في الداخل، حياتهم صعبة لدرجة لا يمكن تخيلها، خاصة وسط خوفهن على أطفالهم في الخارج”.
إطلاق الكلاب الشرسة
بدوره، يقول الفلسطيني صابر أبو مهادي من بلدة بيت لاهيا، إنه تعرض للاعتقال في 10 ديسمبر، وإنه أمضى 52 يوماً.
ويضيف: “الاعتقال تم بعد محاصرة مدرسة الإيواء التي كنا نتواجد بها، وقتل 5 من النازحين بداخلها”.
رغم الإفراج عن أبو مهادي منذ أيام إلا أنه ما زال يجهل مصير ومكان عائلته التي فرقه عنها الاعتقال.
ويقول: “معاناة كبيرة بعد الاعتقال، لا نعرف أي شيء عن عوائلنا، هل هم أحياء أم أموات، أين هم في الشمال أم الجنوب، المصير مجهول تماماً”.