"إسرائيل" تلاحق الأموات قبل الأحياء في غزة وتسرق أعضاءهم
في ظاهرة هي الأغرب من نوعها في تاريخ الحروب على مر العصور البشرية، وفي تحدٍ صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية الإنسانية التي نصت عليها اتفاقيات جنيف والتي تضبط التجاوزات الأخلاقية للأطراف المتحاربة، أقدمت قوات الإحتلال الإسرائيلي ومنذ هجومها الإجرامي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ليس فقط الى استهداف المشافي والمدارس وارتكاب المجازر بالنساء والأطفال ومنع عمّال الإغاثة من الوصول إلى المدنيين بالسلع والخدمات المنقذة لحياتهم وغيرها من جرائم الحرب، بل الى جرف قبور الأموات ونبشها وسرقة أعضائهم، والدخول الى المستشفيات واعتقال المرضى الى أماكن مجهولة، إذ وجد بعضهم لاحقاً مقتولاً وعدد من أعضائه مفقودة.
في الواقع، إن جريمة سرقة قوات الاحتلال للأعضاء البشرية في حربها على قطاع غزة ليست بالحادثة الجديدة، فعقب انفجار فضيحة سرقة الأعضاء عام 2009، خرجت الحكومة الإسرائيلية من أجل التملص من التهم الثابتة ضدها، وأصدرت المتحدثة باسم وزارة الصحة الإسرائيلية وقتها إيناف شيمرون غرينبويم بياناً قالت فيه: "إن الممارسة التي تحدث عنها التحقيق هي قصة قديمة انتهت منذ سنوات".
وظلت الشكوك قائمة حول استمرار هذه الممارسات غير الأخلاقية التي تنتهك حقوق الإنسان، وما أكدها استمرار السلطات الإسرائيلية باحتجاز العشرات من جثث الشهداء الفلسطينيين لديها، مبررة ذلك بكونه إجراءً عقابياً.
وبحسب رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية عبد الناصر فروانة، فإنَّ "إسرائيل" ما زالت تحتجز أكثر من 370 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب استشهدوا في ظروف مختلفة وسنوات متباعدة، مضيفًا أن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بسرقة الأراضي الفلسطينية، بل وضع خطة مسبقة لتأسيس أكبر "بنك جلود" في العالم، ونجح في ذلك على حساب الفلسطينيين بطرق غير شرعية كعادته، وكان من بنود خطته سرقة أكبر كمية ممكنة من الأنسجة والجلود والأعضاء البشرية من أجساد الشعب الفلسطيني، معتبرًا أن هذا مخالف لقانون التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية في العالم، فمن البنود الأساسية لنزع الأعضاء من الأجساد البشرية التأكد من وفاة الشخص أولاً، ثم الحصول على موافقة خطية من عائلته.
وفي حربه الدائرة في قطاع غزة، خطف جيش الاحتلال عددًا غير معلوم من جثث الشهداء من ثلاجة الموتى ومقبرة جماعية داخل مستشفى الشفاء في مدينة غزة والمستشفى الإندونيسي شمال القطاع، ومن ممر النزوح على شارع صلاح الدين الواصل بين شمال القطاع وجنوبه.
ويوم 26 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أفرج جيش الاحتلال عن مجموعة من جثث الشهداء وُضعت داخل 70 كيسًا بلاستيكيًا، وكانت مكدسة داخل حاوية نقلتها شاحنة من معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي مدينة رفح إلى مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار بالمدينة، بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقالت مصادر رسمية وحقوقية متطابقة إن هذه الأكياس احتوت على عدد غير محدد بدقة من جثث الشهداء، إذ ضم بعضها جثثا كاملة، وأخرى كان بها أنصاف أجساد، إضافة إلى أكياس لأشلاء ممزقة، تُعقّد من مهمة حصرها، فضلاً عن تعنت جيش الاحتلال ورفضه تقديم معلومات عنها للمساعدة في تحديد هويتها، فتم دفنها "مجهولة الهوية" في مقبرة جماعية غرب مدينة رفح.
وما زال جيش الاحتلال يحتجز عشرات الجثث الأخرى التي خطفها من مستشفيات ومقابر وشوارع مدينة غزة وشمال القطاع، عقب توغله البري يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وأكد مدير مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار الدكتور مروان الهمص أن "الجيش الإسرائيلي أرسل شاحنة جثامين شهداء فلسطينيين كانوا محتجزين لديها، مشيرًا إلى أن الروائح من الصعب احتمالها حيث تم أخذ الجثامين، وهي عبارة عن أشلاء لجثامين فى أكياس زرقاء اللون، وكل الجثث بلا أعضاء ومحشوة بالرمال.
وكشف الهمص عن وجود جثامين لشهداء فلسطينيين تم فتح بطونهم بشكل طولي"، موضحًا أن "المستشفى وثق حالة الجثامين من خلال تصويرها وتوثيق وضعها بعد استلامها"، مؤكدًا أن "احتجاز الجثامين وسرقة أعضاء بشرية للشهداء الفلسطينيين هي جريمة حرب، مطالبًا بمحاسبة إسرائيل".
ووصف مدير المستشفى ما شاهده بأنه "مرعب ومخيف، ويدلل على مدى بشاعة الجرائم التى ترتكبها إسرائيل بحق الأحياء والأموات".
كما قال مدير عام "المكتب الإعلامي الحكومي" في غزة إسماعيل الثوابتة إن الاحتلال سلم الجثامين مجهولة الهوية ورفض تحديد أسماء الشهداء والأماكن التي سرقها منها، وبعد معاينتها، تبين أن ملامحها مُتغيرة بشكل كبير في إشارة واضحة إلى سرقة الاحتلال أعضاء حيوية منها.
ويجزم المسؤول الحكومي بأن الاحتلال تعمد إبقاء جثامين الشهداء لديه فترة طويلة، حتى تميل إلى الذوبان أو إلى الاقتراب من التحلل وأنه "سرق أعضاءهم ثم أغلق أجسادهم وتعمد تأخير تسليم الجثامين إلى حين اهترائها".