تحكي أوضاع أسرى غزة الذين أطلق جيش الاحتلال سراحهم أخيراً، عن أهوال ما لاقوه من عذاب في سجون الاحتلال. شبان من مواليد التسعينيات من القرن الماضي، وصلوا إلى «مستشفى أبو يوسف النجار» في مدينة رفح جنوب القطاع، بعد أن اعتُقلوا قبل نحو 40 يوماً من «مستشفى كمال عدوان» في مشروع بيت لاهيا، وهم لا يستطيعون الوقوف على أقدامهم، إذ أعاد جيش العدو انتهاج سياسة تكسير العظام التي ابتدعها رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق رابين، للقضاء على الانتفاضة الأولى في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات.
عبد طافش، وهو واحد من شبان مخيم جباليا الرياضيين، وصل على كرسي متحرّك إلى رفح، فيما تعبّر ملامح وجهه المثقلة بالرعب والكدمات، عن ما حلّ به خلال أيام الاعتقال القاسية. لم يقوَ الشاب على الحركة أو الكلام، لكنّ مرافقه، رامي الأستاذ، تحدّث إلى «الأخبار»، قائلاً إنه «يعاني من كسور في كلّ عظام الجسم، وكدمات وآثار تعذيب وضرب بالعصي وأعقاب البنادق، في كلّ أنحاء الجسم». ويتابع أن «كل الشباب الذين أُطلق سراحهم، مصابون بحالات نفسية غير طبيعية، ولا يستطيعون النوم، على رغم حالة الإنهاك الشديد التي يعانون منها. ويديمون السؤال عن عائلاتهم. وحين يغفون قليلاً، يستيقظون وهم يصرخون: بكفي بكفي».
يتحدّث الأستاذ أيضاً عن مطاوع صبح، وهو أحد شبان مخيم جباليا، ممن نزحوا إلى رفح في بداية العدوان، وقد أُطلق سراحه يوم الجمعة الماضي. يوضح الأستاذ أن مطاوع «تلقّى مئات الكدمات على رأسه. وفي جسمه عدد من الجراح المفتوحة والملوّثة التي تعفّنت بسبب غياب العناية الطبية». وينقل عن صبح قوله إنهم «لم يطعمونا طوال عشرة أيام. أبقونا مثبّتين وقوفاً وحرمونا من النوم والجلوس. يعاملون الأسرى الذين يعتقلونهم من القطاع بمنتهى الوحشية: ضرب وهمجية وامتهان كرامة وسُباب وركلات على المناطق الحساسة من الجسم طوال الوقت. ينتقمون لفشلهم في الوصول إلى المقاومين ومكامنهم من الأسرى. يطلبون معلومات حساسة عن المقاومة، لا يعرفها أحد من المعتقلين المدنيين. كانوا وحوشاً على هيئة بشر».
كذلك، تروي عائلة الكحلوت التي أُطلق سراح نجلها مصطفى الذي كان قد اعتُقل بعد اقتحام جيش الاحتلال «مستشفى العودة» في منتصف الشهر الماضي، عن ما أصابه عقب إطلاق سراحه. يقول قريبه أحمد إنه «وصل إلى مدينة رفح، وقد خسر أكثر من نصف وزنه. وبعد ساعات، دخل في غيبوبة استمرت أسبوعاً كاملاً. فهمنا منه أنه حُرم من النوم والجلوس طوال مدّة الاعتقال. لم يسمحوا له بالذهاب إلى الحمام، ولم يطعموه سوى مرتين. كانوا ينهالون عليه بالضرب المبرح على كلّ أنحاء الجسم. كلما سقط على الأرض من شدة التعب، أجبروه على الوقوف مجدداً». أما عن المعلومات التي يطلبها جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» من المعتقلين، فهي تتعلّق بأشخاص بعينهم ينتمون إلى الأجهزة العسكرية لفصائل المقاومة؛ إذ يعتقد العدو أن بوسع الأشخاص المدنيين تقديم تفاصيل يمكن الارتكاز عليها في فهم أنماط حياة قادة المقاومة ونشطائها.
وكان جيش الاحتلال قد اعتقل نحو 1000 مواطن خلال العملية البرية في مختلف مناطق قطاع غزة. وتمّت غالبية عمليات الاعتقال من مراكز الإيواء والمستشفيات والأحياء التي داهمها على نحو مفاجئ. ووفقاً لشهادات ميدانية، فقد اقتاد جيش العدو المئات من الجرحى، وقام بالتنكيل بهم، قبل اقتيادهم إلى قاعدة «زيكيم» العسكرية في الشمال الغربي من القطاع.