أسرى القدس والاحتلال الإسرائيلي: هستيريا علبة الحلوى
ولف بلتزر، أحد أقدم المذيعين المخضرمين في محطة سي إن إن، لم يجد مفراً من الإصغاء إلى زميلته الأمريكية التي كان يتوجب أن تنقل من القدس المحتلة مشاهد وصول الأطفال الفلسطينيين المحررين إلى بيوت أهلهم، فسردت له كيف تعذر عليها نقل أي مشهد عبر عدسة التصوير بسبب الحظر الذي فرضته الشرطة الإسرائيلية على التغطيات الصحافية.
وأياً كانت المشاعر الفعلية التي اعتملت في نفس بلتزر، فقد فضح امتقاع وجهه ما يحق لأي مشاهد أن يدركه صراحة أو ضمناً، خاصة حين شرحت الزميلة أن إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي في الائتلاف الحاكم يواصل تصنيف هؤلاء الأسرى المحررين في خانة «الإرهابيين» حتى حين تقلّ أعمارهم عن 16 سنة، وهذا يعني أن أي مظهر للفرح والابتهاج هو بدوره عمل «إرهابي».
ورغم أن الأسيرات والأسرى المحررين حرصوا على الإعراب عن التضامن الفوري مع شهداء قطاع غزة ومعاناة أبنائه وأحجموا بالتالي عن الانخراط في طقوس احتفالية صريحة ومشروعة، إلا أن المقادير الدنيا من مشاعر الابتهاج الإنساني التلقائي باسترداد الحرية واللقاء مع الأبناء والأمهات والآباء والاشقاء قوبلت من الاحتلال الإسرائيلي بإجراءات تقييد وحظر تجسد الأحقاد بطرائق هستيرية هابطة ومبتذلة.
ففي بيت حنانيا داهمت شرطة الاحتلال منزل الأسيرة المحررة أماني حشيم قبل وصولها إليه، وأخلت البيت ولم تسمح بالبقاء إلا لأقارب الدرجة الأولى فقط، وأخذت تعهداً من أفراد العائلة بالامتناع عن الاحتفال، وحظر رفع العلم الفلسطيني، وبلغ السعار درجة مصادرة علب الحلوى التي تُخصص عادة للأفراح والمناسبات. سلوك لا يقل همجية تكرر في غالبية البيوت التي استقبلت أسيرات وأسرى محررين، وعلى سبيل المثال كانت نحو 20 مركبة إسرائيلية في داخل كل منها 8 جنود قد طوقت وصول الأسيرة إسراء جعابيص إلى دارها.
وكل هذا بمعزل عن إجراءات القمع والعسف والتعذيب التي ظلت الأسيرات والأسرى عرضة لها ضمن جولات تنكيل انتقامية إضافية على امتداد أسابيع أعقبت عملية «طوفان الأقصى» وتواصلت حتى قبيل الصعود إلى حافلات النقل إلى بيتونيا والبيرة ورام الله والقدس، على مرأى ومسمع المرافقين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ومن الجوهري التشديد على أن سلوك قوات الاحتلال الإسرائيلي على اختلاف صنوفها، من الشرطة والجيش إلى استخبارات الشاباك والمستعربين والمستوطنين، يندرج بالتضافر والتكامل مع سعار جمعي ضد فلسطين البشر والحجر والشجر، قديم متأصل ولكنه لا يكفّ عن تجديد ألوانه وأدواته وطرائقه، خاصة خلال أزمنة الإحساس بالعجز أو الفشل أو الهزيمة حين تضطرم الأحقاد وتستحكم الهستيريا.
وبالتالي فإن أوامر بن غفير ليست وحدها خلف السلوك العصابي لدولة الاحتلال إزاء أي مظهر فلسطيني يعكس الفرح أو التضامن أو الانتصار، فقد سبقه رئيس حكومته بنيامين نتنياهو حين وصف المقاومة الفلسطينية بـ«محور الشر» وزميله وزير الدفاع الذي تحدث عن «حيوانات بشرية» ووزير التراث الذي طالب بإبادة جماعية عن طريق قنبلة نووية.
وليس غريباً على ذهنية كهذه أن تقهر علبة حلوى مثلما تكسر ذراع طفل فلسطيني، فالتوجس متماثل والحقد مستحكم.