بعد انتاجهما عملا عن تجنيد نساء في صفوف داعش... روسيا "تستهدف" كاتبتين مسرحيتين!
تبعث يلينا إيفروس رسائل إلى السجون الروسية منذ سنوات، على اعتبارها رئيسة مجموعة تطوّعية تكتب بشكل دوري للعدد المتزايد من السجناء السياسيين في البلاد.
لكنها وجدت نفسها قبل ستة أشهر أمام رسالة ما كانت لتخطر على بالها إذ أنها موجّهة إلى ابنتها المسجونة على خلفية مسرحية أخرجتها عام 2020 وحازت على جوائز.
أوقفت السلطات الروسية ابنة إيفروس، المخرجة والكاتبة المسرحية يفغينيا بيركوفيتش، في أيار بتهم "تبرير الإرهاب" التي تحمل عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات.
وقالت إيفروس (64 عاما) لفرانس برس "إذا كانوا سيسجنون أحدا ما، اعتقدت أنني سأكون أنا المستهدفة بسبب هذه الرسائل".
ترتبط القضية ضد بيركوفيتش (38 عاما) وكاتبة مسرحية أخرى تدعى سفيتلانا بيتريوتشوك (43 عاما) بمسرحيتهما عن نساء روسيات تم تجنيدهن في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وسافرن إلى سوريا للزواج من مقاتلين في الجماعة المتطرفة قبل العودة إلى روسيا.
ونالت المسرحية التي تحمل اسم حكاية شعبية تقليدية روسية "فينيست، الصقر الشجاع" جائزتين في مهرجان "القناع الذهبي" في روسيا.
لكن إشادات النقّاد لم تعد تحمل قيمة كبيرة منذ كثّفت موسكو حملتها ضد الفنانين والشخصيات الثقافية في ظل عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وتمت إقالة ممثلّين ومخرجين وكتّابا ومؤدّين من العمل ومراقبة أعمالهم أو دفعهم إلى المنفى أو توقيفهم.
وتفيد مجموعات حقوقية بأن القضية المرفوعة ضد بيركوفيتش وبيترويوتشوك مثيرة للجدل على وجه الخصوص.
تنطلق التهم من تحليل لغوي للمسرحية يعتمد على منهج بحثي هامشي في التطرف والإرهاب يدعى المنهج "التدميري".
وفيما يعتبر معارضوه أن المنهج مجرّد علم زائف، خلص تحليل مبني عليه إلى أن المسرحية روّجت لتنظيم الدولة الإسلامية ودعمت "النسوية المتطرفة"، وهي فكرة اعتبرها محامون سخيفة.
ورفضت هيئة تابعة لوزارة العدل التفسير الأولي فيما يسعى المدعون لإبقاء بيركوفيتش وبيترويوتشوك في السجن بانتظار استكمال دراسة جديدة.
تشدد بيركوفيتش وأنصارها على أن المسرحية بعيدة كل البعد عن "تبرير الإرهاب" إذ أنها توجّه انتقادات واضحة لتنظيم الدولة الإسلامية وتوجّه تحذيرا بشأن الشابات الروسيات المسلمات اللواتي تم تجنيدهن في صفوفه.
توجّهت إيفروس الأسبوع الماضي من منزلها في سان بطرسبرغ إلى موسكو لحضور جلسة استماع للمحكمة تتعلّق بتمديد فترة اعتقال ابنتها قبل المحاكمة.
كما حضر حوالى 20 من أنصار بيركوفيتش هتف بعضهم "نحبك" فيما تم اقتيادها مكبّلة إلى المحكمة.
وحضّت بيركوفيتش القاضي على السماح لها بالعودة إلى ابنتيها بالتبنّي ريثما تنتظر محاكمتها.
وقالت "انتُزعت طفلتان مريضتان من والدتهما قبل ستة أشهر.. إنه تعذيب".
تبّنت بيركوفيتش الفتاتين اللتين أصبحتا في سن المراهقة حاليا قبل أربع سنوات بعدما قضيتا جل حياتهما تتنقلان بين دور الأيتام والرعاية.
وأفاد متخصص في علم النفس المحكمة بأن ابنتها الأصغر سنا بدأت تراودها كوابيس ترى فيها والدتها تموت في السجن.
ورحّب المدعون الذين بدا واضحا بأنهم لم يتأثّروا بالشهادة بقرار المحكمة تمديد فترة الاعتقال ما قبل المحاكمة حتى العاشر من كانون الثاني/يناير.
وصرخت بيركوفيتش من قفص المحكمة الزجاجي بعدما تلى القاضي القرار "عام سعيد".
وقبل إعادتها إلى السجن، اقتربت إيفروس من القفص الزجاجي ووضعت يدها مقابل يد ابنتها من الجانب الآخر.
وقالت إيفروس خارج القاعة "يفتقر القاضي إلى الضمير والسلطة، كل ما يقومون به هو تنفيذ برنامج مخطط سلفا".
وشددت كسينيا كاربينسكايا، محامية بيركوفيتش، على عجزها عن فهم "هذا الحد من القسوة".
تتحدّر بيركوفيتش من عائلة تضم العديد من الناشطين.
كانت نينا كاتيريلي، والدة إيفروس، كاتبة ناضلت من أجل حقوق الإنسان وضد معاداة السامية في الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي.
وبعد جلسة الاستماع وقبل الصعود على متن قطار ليلي للعودة إلى سان بطرسبورغ، شاركت إيفروس فرانس برس بعض الرسائل التي تبادلتها مع ابنتها.
في الرسائل، تمازح بيركوفيتش والدتها بشأن مسلسل كوميدي بدأت مشاهدته.
تعتبر إيفروس أن القضية المرفوعة ضد ابنتها هي مؤشر على استهداف روسيا "للنساء الأحرار" اللواتي يرفضن "اعتبار أن مكانهن المطبخ".
وتشير إلى أن "الذكورية القاتلة" ازدهرت في روسيا منذ 24 شباط 2022، عندما أرسلت موسكو قواتها إلى أوكرانيا.
وتقول "تتجه بلادنا إلى مجتمع تقليدي عفا عليه الزمن -- ديمستروي -- حيث تعد النسوية شرا بلا شك"، في إشارة إلى قواعد أسرية روسية تعود إلى القرن السادس عشر شجّعت الرجال على ضرب زوجاتهم وأطفالهم.
وترى إيفروس أوجه شبه بين هذا الاتجاه والمسرحية التي تعاقب بيركوفيتش عليها.
وقالت "إنها أصولية، يمكن أن تكون الأصولية إسلامية لكنها ليست كذلك بالضرورة، يمكن أن تكون أصولية أرثوذكسية، أو مجرّد أصولية بكل بساطة".
وأضافت أن "النسوية الراديكالية من وجهة نظر هؤلاء، هي شر".