ابان الموجة الداعشية على أرضنا، قال لنا مسؤول أمني ان التحقيقات أظهرت أن قيادة التنظيم "زرعت في رؤوس المقاتلين أن لبنان أقرب الطرق الى الجنة". لم يكن لبنان، آنذاك، قد أصبح أقرب الطرق الى جهنم...
الآن عودة الخلايا. ما الخفايا؟ في حضرة وزير سابق ونائب حالي، قال أحد المشايخ، وهز صاحب المعالي رأسه مستحسناً، ما معناه "اننا مستعدون ليس فقط للتعاون مع حملة السواطير، بل وأيضاً مع حمالة الحطب (زوجة أبو لهب)، لازالة صواريخ آيات الله".
معاليه، وأثناء زيارة عاصمة عربية، قال انه يمد يده للشيطان ضد أدوات ايران في لبنان. ها أن الشيطان يطل، ثانية، من الكوة اياها. في آخر أدبيات تنظيم الدولة الاسلامية أن لبنان... أرض الميعاد!
بطبيعة الحال، لا بد من الثناء على الأجهزة الأمنية اللبنانية كافة، وهي ـ مع المؤسسة العسكرية ـ رهاننا الوحيد على الحيلولة دون لبنان والانزلاق الى الفوضى الدموية، كنتيجة جدلية للفوضى الدستورية، ناهيك بالتردي السياسي، والتردي الاقتصادي.
أحد قادة "داعش" نايف شعلان (أبو الفوز) وصف لبنان بـ "رصيف الغواني". الآن، الرصيف يتكدس فوقه حطام شعب وحطام دولة.
من خلال تتبعنا لمسار التنظيم، ثمة من كان يخطط لتحويل أفغانستان الى غرفة عمليات لادارة السيناريوات الخاصة باقامة دولة الخلافة، وعلى اساس أن الصراع لا بد أن ينفجر بين قادة حركة "طالبان".
هذا لم يحدث، وان كانت السلطة في كابول تواجه أزمات بنيوية حادة، وتنذر بأيام سوداء تنتظر البلد الذي أدهش، بمنازله البيضاء، وحدائقه الغنّاء، فريديريك أنغلز، شريك كارل ماركس في وضع "رأس المال"، لدى زيارته أفغانستان عام 1858.
صحافي باكستاني تحدث الى وكالة بلومبيرغ عن "ثورة النساء" اللواتي يتعرض لأشكال رهيبة من القمع. الاقامة الجبرية في المنزل، وقد بات أشبه ما يكون بالزنزانة. الصحافي لاحظ "كيف أن رجالاً يشبهون القردة يجرّون الزمن الى الوراء"، مشيراً الى حالة من التململ تحت السطح، مع توقع وقوع انفجارات سياسية وقبيلة. هل يعني ذلك انتقال "داعش" من الكهوف الأفغانية الى... أرض الميعاد ؟
اذاً، لبنان بين الصوملة والأفغنة. مثلما دخل البرابرة الى سوريا من الشمال، وكان الفردوس الصناعي والزراعي، يدخلون الى الشمال اللبناني كنموذج مروع للاهمال وللشقاء...
على كل، نتمنى لو كان البرلمان اللبناني على شاكلة اللوياجيرغا الأفغانية حيث يلتقي شيوخ القبائل من أجل المصالحة. عندنا شيوخ الطوائف يبنون عروشهم بسياسات التفرقة، وبسياسات الاستقطاب، بما فيه الاستقطاب المذهبي الذي يقود الى ما لا تحمد عقباه.
ألا تشكل الطبقة السياسية ظاهرة داعشية في لبنان. لا فارق هنا بين الياقات الفاخرة وسراويل تورا بورا. لا فارق ايضاً بين اللحى الملطخة بالدم واللحى المضمخة بالعطر.
لا شك أنهم يعلمون ما تكتبه الصحف الغربية عنهم.
"الفايننشال تايمز" تحدثت عن الفساد كوباء يستوطن عظام اللبنانيين. لا تتوقع حدوث معجزة للحد من استشراء هذا الوباء الذي أثار الهلع، وليس الحيرة فقط، لدى خبراء صندوق النقد الدولي.
عودة الموجة الداعشية الى الظهور لا يمكن أن تكون عشوائية. القادة يخططون لأمر ما. علينا أن نتصور كيف يفكرون. لا ريب أنهم ينظرون الى لبنان على أنه الدولة الآيلة، عاجلاً لا آجلاً، الى الزوال. (الفرنسيون حذّروا من ذلك). في هذه الحال، لا بد من الدخول في "الحالة اللبنانية". اعادة تشكيل الخلايا، وتنفيذ سلسلة من العمليات الدموية بالطريقة التي تفضي الى الصدام الداخلي والى الفتنة الداخلية.
رجاءً، لا تقرؤوا الحدث الداعشي بعيون أمنية فقط. الحاجة الى عيون زرقاء اليمامة. هذا الكلام لأصحاب العيون المقفلة، والأدمغة المقفلة. أتراهم يستيقظون قبل أن يدق حملة السواطير على غرف نومهم؟!