تلقى تنظيم “داعش” (المعروف أيضاً باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”) ضربات موجعة جراء خسارة مناطق خلافته في آذار (مارس) 2019 ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في تشرين الأول (أكتوبر) 2019. فكيف ردّ عناصر التنظيم وفروعه على هذه الخسارة؟ بالنسبة لتنظيم “داعش”، لم تكن خسارة الأراضي صادمة بالضرورة. فمنذ العام 2016، كان قد وضع خطة للصمود على الرغم من خسارة الخلافة تستقي العبر من الانتكاسات التي عاشها بين العامين 2007 و2009. وفي خطاب ألقاه في أيار (مايو) 2016، أعدّ المتحدث باسم “داعش” آنذاك، أبو محمد العدناني أنصار التنظيم للصمود في وجه هزيمة تكتيكية أخرى. وقال “النصر هو هزيمة الخصم”، ثم سأل مستمعيه، “هل هُزِمنا عندما فقدنا المدن في العراق وكنا في الصحراء دون أي مدينة أو أرض؟ وهل سنُهزَم (إذا فقدنا) الموصل أو سرت أو الرقة؟ بالتأكيد لا! الهزيمة الحقيقية هي فقدان قوة الإرادة والرغبة في القتال”. كما أعدّ “داعش” أتباعه مسبقاً لاحتمال مقتل أبو بكر البغدادي. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، حذّر البغدادي قائلاً: “اعلموا أنه في حالة مقتل بعض قادتكم فإن الله سيخلفهم بأشخاص مساوين لهم أو أفضل منهم. الله لن يهملكم، فلا تشعروا بالإحباط. حقاً، إن الله معنا”. ومن غير المرجح أن تردع هذه الانتكاسات مناصري التنظيم الأكثر ولاءً. غير أن خسارة الأراضي قوّضت قدرتهم على تجنيد أتباع جدد على الصعيدين المحلي والعالمي بالقدر نفسه كما فعلوا في الفترة 2012-2015، حين دفعت بهم رسالتهم المتمحورة حول الانتصار وحشد الزخم إلى تعليق آمال أكبر من مجرد إعلان الخلافة.
كيف تعاطى “داعش” مع الخسائر في رسائله؟ في آذار (مارس) 2019، حين كان التنظيم يخسر بلدة الباغوز، آخر قطعة من الأرض كان ما يزال يسيطر عليها، صرّح المتحدث باسمه آنذاك، أبو الحسن المهاجر، بأنه “بمشيئة الله، ما يزال أبناء الخلافة يثبتون أنهم الصخرة الصلبة والراسخة التي ستكسر تحالف الكفار… سوف ينسحبون… بخزي وعار”. وقال ذلك في معرض شرحه بأن الخسارة كانت مجرد اختبار من الله للمساعدة على تطهير صفوف التنظيم: “النصر يأتي بالصبر، والراحة تأتي بعد المعاناة… وبالصبر يكون تحقيق الوعود”. وردّ البغدادي على خسارة الأرض في رسالة مصوّرة في نيسان (أبريل) 2019، هي الثانية فقط التي يُظهر فيها وجهه خلال أعوامه التسعة كزعيم لتنظيم “داعش”، والتي أشاد فيها بأولئك الذين حاربوا في سبيل الله ضد ما وصفهم بالصليبيين الهمجيين. وكرر أن المعركة الحالية “هي معركة استنزاف” ستعيق “العدو” على المدى الطويل. كما سلّط أبو بكر الضوء على الأنشطة التي كانت تنفذها الولايات الخارجية للتنظيم خارج العراق وسورية للتأكيد على عزم التنظيم المستمر وعلى أن خسارة الأراضي لم يكن نهاية تنظيم “داعش”، مشيراً إلى أنها كانت مرحلة جديدة فقط. كيف أثرت الخسائر على قدرة التنظيم على تجنيد المقاتلين -أو إبقاء قواته سالمة؟ في أعقاب خسارة “داعش” للأراضي، أطلق حملة مصوّرة بعنوان “النتيجة الأفضل يحققها الصالحون” لإعادة تأكيد الولاء للبغدادي. وكان الهدف منها أن تُظهر فروع التنظيم ضمن شبكته العالمية أنها ما تزال منضوية تحت مظلته. وقد حشدت الحملة الدعم من أبرز فروع التنظيم في العراق وسورية وكذلك من المحافظات البعيدة وأنصار “داعش” في بنغلادش واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق والصومال وتونس وتركيا وليبيا وأذربيجان وأفغانستان والشيشان والفلبين ومصر ونيجيريا. وبعد مقتل البغدادي، أطلق تنظيم “داعش” مرة أخرى حملة تقوم على مجموعة من الصور التي تظهر قواته المقاتلة في “محافظاتها” وهي تقوم بمبايعة زعيمه الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. وتضمنت الصور فروعاً في مصر وبنغلادش والصومال وباكستان واليمن وسورية وأفغانستان وتونس ونيجيريا والفلبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ومالي وبوركينا فاسو والعراق وليبيا وإندونيسيا وأذربيجان. وقد أطلق التنظيم الحملة لسببين. أولاً، لإظهار أن الولاءات ترتبط بقائد معيّن وليس بالتنظيم، وبالتالي لا بدّ من تجديدها عند كل خلافة جديدة. ثانياً، كانت طريقة إضفاء الشرعية على حكم القرشي وإطلاق حدث إعلامي لكي يتمكن التنظيم من الترويج لنفسه في ظل انتقاله إلى مرحلة جديدة. واكتست هذه العملية أهمية بالنسبة لشرعية قيادة التنظيم والقضاء على أي تمرد محتمل قبل أن يتبلور إلى تحرك أكبر، كما حدث عندما تمرد “داعش” على تنظيم القاعدة في الماضي. هل هناك أي دليل على انشقاق أعضاء التنظيم أو انضمامهم إلى جماعات أخرى، بما فيها فروع تنظيم القاعدة؟ كلا، لم تبرز أي أدلة على ذلك حتى الآن. في العام 2019، قدّر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي التنظيم ما يزالون في العراق وسورية. فما الذي يفعلونه هناك؟ وما أهدافهم؟ واصل “داعش” العمل كحركة تمرد في كلا البلدين. ويكرس أعضاؤه وقتهم لمحاولة تهريب السجناء وربما إعادة السيطرة على الأراضي. ومن خلال حرب استنزاف، يعتقدون أنهم سيرهقون أعدائهم. كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم. وفي الفترة الممتدة بين سقوط الباغوز في نهاية آذار (مارس) 2019 و12 كانون الأول (ديسمبر)، أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن تنفيذ أكثر من 1.500 عملية في العراق وسورية. ففي سورية، ادعى تنفيذ: • 424 هجوما في محافظات دير الزور، و؛ • 129 في الحسكة؛ • 115 في الرقة؛ • 37 في حمص؛ • 20 في درعا؛ • 11 في حلب؛ • و3 هجمات في دمشق. وفي العراق، ادعى التنظيم تنفيذ: • 336 هجوما في محافظات ديالى، و • 133 في كركوك، • 111 في نينوى، • 111 في بغداد، • 107 في الأنبار • 54 في صلاح الدين، • و 27 في بابل. وقد تبدو الأرقام مبهرة، لكن نشاط الجماعة لم يقترب حتى من الذروة التي بلغها بين العامين 2014 و2016. واعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، سجل عدد الهجمات الشهرية في العراق أدنى مستوياته منذ غزو الولايات المتحدة للعراق في العام 2003، وفقاً للخبير في الشؤون العراقية جويل وينغ. ما أكثر الأماكن التي ينشط فيها التنظيم؟ هل هناك قواعد جديدة لعمليات المقاتلين أو لأماكن تمركزهم؟ نشط التنظيم بشكل خاص في محافظة دير الزور في سورية ومحافظة ديالى في العراق، مستفيداً من المناطق ذات الحكم الضعيف ومستخدماً إياها كقواعد لإعادة رص صفوفه. وقد حدد التنظيم أهداف استراتيجيته التمردية في سلسلة مقالات صدرت في صحيفة “النبأ” الأسبوعية التابعة له في أواخر ربيع العام 2019. وركز “داعش” على: • عمليات المخابرات؛ • مفاجأة قوات العدو في المناطق الضعيفة؛ • الظهور والاختفاء حسب الرغبة؛ • عمليات التسلل الليلية؛ • الاعتداءات على قوات الأمن؛ • الاستيلاء على مواقع لفترات قصيرة من الوقت من أجل توفير الإمدادات وإعدام الأعداء (شيوخ القرى، زعماء القبائل، أولئك الذين يعملون مع أعدائهم)؛ • كسب غنائم الحرب بعد إلحاق الأذى بالعدو؛ • إطلاق سراح السجناء؛ • مضايقة من يتم إرسالهم كتعزيزات عبر عبوات ناسفة وكمائن؛ • تخطيط طرق انسحاب آمنة ومعرفة المخارج المناسبة؛ • العودة إلى ملاجئ آمنة. ماذا يُعرف عن أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، خليفة البغدادي؟ هل هناك أي قادة آخرين بارزين قد يتولون زمام الأمور؟ لا يُعرف سوى القليل عن زعيم “داعش” الجديد باستثناء أنه من قريش (قبيلة النبي محمد)، مما يمنحه ميزة أن يصبح خليفة بفضل السلالة التي ينحدر منها. ويصف أبو حمزة القرشي المتحدث الرسمي الجديد باسم تنظيم “داعش” أبو ابراهيم بأنه عالم من العلماء “قارع حامية الصليب، أمريكا”، ربما في العراق. ويتمتع بمصداقية بين مؤيدي تنظيم “داعش” بفضل خلفيته الدينية والعسكرية. وهناك إشاعات بأن لقب أبو إبراهيم العسكري ربما يكون أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى (الحاج عبدالله)، رغم أن الأمر ليس مؤكداً بعد. كيف يموّل تنظيم “داعش” عملياته، ويدفع رواتب عناصره، ويشتري العتاد اللازم بالنظر إلى خسارة أصوله وسيطرته على حقول النفط السورية؟ لم تعد نفقات تنظيم “داعش” كالسابق بما أنه لا يدير دولة، لكنه “ما يزال يملك ثروة متبقية كبيرة، تقدر بحوالي 300 مليون دولار…(و) يشجع على زيادة اكتفائه الذاتي المالي من خلال (ولاياته)”، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في تموز (يوليو) 2019. ومنذ خسارة معقله الأخير في الباغوز، استثمر تنظيم “داعش” مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، مثل العقارات ووكالات السيارات. ويوجد عدد منها في تركيا، وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم “داعش” وشركات تحويل (صرف على لائحة الإرهاب). وفي أيلول (سبتمبر) 2019، فككت تركيا بعض هذه الشبكات. كما ما يزال تنظيم “داعش” ينفذ مخططات ابتزاز من خلال الاختطاف مقابل الفدية؛ وفرض ضرائب على مسارات الاتجار بالبشر وخطوط إمدادات النفط؛ وبيع أصول مختلفة في السوق السوداء؛ والاستفادة من الفساد المستشري في مجال إعادة الإعمار في غرب العراق؛ وفرض دفع الزكاة على السكان المحليين عند سيطرتهم على بلدات لفترات قصيرة من الزمن.