"داعش" يملك 400 مليون دولار... كيف يخطّط التنظيم لاستغلال ثروته؟
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، الكثير من النقاشات التي انتهى معظمها إلى أن ما قاله ترامب ليس دقيقاً. فقد خسر التنظيم غالبية المساحات التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، إلا أنه لا بزال يحكم قبضته على مساحة تناهز 2% من معاقله هناك.
لكن هذا ليس كل شيء، فالتنظيم الذي حصد خبرات متراكمة تعود إلى عهد الجهاد ضد السوفيات في أفغانستان خلال فترة التسعينات من القرن الماضي، بدأ يعد لمستقبله، ووضع خططاً محكمة لنقل ثرواته الضخمة التي جناها خلال سنوات من سيطرته على مساحات شاسعة وغنية بالثروات في سوريا والعراق.
وحصد “داعش” أموالاً يصعب حصرها من نشاطاته غير المشروعة، فقد استحوذ على حقول النفط في مناطق نفوذه، ونهب أمول البنوك، والذهب، وممتلكات سكان المناطق التي اجتاحها، وتاجر في التحف الأثرية، والمخدرات، والأعضاء البشرية، والرقيق الأبيض، وفرض الإتاوات على الشركات العاملة في حيز نفوذه، إلى جانب الحصول على فدية للرهائن الأجانب الذين خطفهم.
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية ان التنظيم يملك كميات مهولة من الذهب والأموال المسروقة والتي قد تصل إلى 400 مليون دولار، ولكنه نجح في إخفائها من أجل الاستعانة بها في أي وقت يتمكن فيه من العودة مرة أخرى.
الشبكة المظلمة الانترنت المعتم أو (Dark web)، هو الجزء العميق والخفي من الانترنت، وهو يضم مواقع لا تفهرسها محركات البحث التقليدية، ويحظى بتشفير وسرية تتيح للمستخدمين التصفح والتعامل من خلاله دون الكشف عن هوياتهم. وهذه السرية تجعله مكانا مثالياً لكافة الأنشطة غير المشروعة. ويشكل الإنترنت المعتم جزءاً مهما في استخدامات "داعش" وغيره من التنظيمات الجهادية، وقد اكتسب خبرة كبيرة في الإنترنت المعتم بعدما انتقل إليه عقب هجمات باريس عام 2015، حسبما تفيد ورقة بحثية كتبها جبريل ويمان من معهد أبحاث الإرهاب في منتصف عام 2016.
وتفيد الورقة أن داعش استخدم هذه الشبكة السرية في نشر دعايته وأفكاره الجهادية، واستغلها كذلك في تأمين الاتصال بين قادته وعناصره، وفي تجنيد جهاديين جدد. كما أشارت الورقة إلى بعض المعاملات المالية، خاصة في ما يتعلق بشراء الأسلحة من أسواق إلكترونية غير شرعية. ومع فترة الاستخدام الممتدة لنحو ثلاث سنوات، باتت لدى "داعش" خبرة كافية لنقل ثرواته الطائلة عبر الشبكة المعتمة، ويمكنه ببساطة تحويل القدر الذي يرغب فيه من أمواله إلى عملات افتراضية مثل Bitcoin (العملة الواحدة تساوي 4000 دولار حالياً)، وغيرها من العملات المشفرة.
تهريب الأموال
ويؤكد مصطفى حمزة مدير مركز دراسات الإسلام السياسي إن "داعش اعتمد في الفترة الأخيرة على Bitcoin، لأنها عملة إلكترونية يسهل الحصول عليها عبر الإنترنت، ويمكنه أن يتعامل بها في البيع والشراء وما إلى ذلك".
ويقول لـ"النهار": "بشكل عام فإن طرق تحويل أموال داعش، تنقسم إلى قسمين، جزء يتم عبر القنوات الرسمية، بالاعتماد على الأشخاص الموالين للتنظيم في دول أخرى، لا سيما في أوروبا وأميركا" و"الجزء الآخر يتم عبر قنوات غير رسمية، ولكنها تبدو شرعية، مثل التهريب عبر أشخاص مسافرين يمكنهم حمل كميات كبيرة من النقود معهم والمرور بها دون إثارة الشكوك حولهم، كالتجار ورجال الأعمال، وهم يحصلون على عمولات في مقابل نقل هذه الأموال"، يقول حمزة.
ويشير الباحث إلى أن "داعش استقطب عدداً من شباب أوروبا وأميركا الذين لديهم خبرات تكنولوجية عالية، ويستطيعون الحصول على هذه العملات بسهولة. وإلى جانب هذا فإن التنظيم قد يحول أمواله إلى مخدرات، أو ذهب، أو ماس، أو أي شيء. هذه مافيا كبيرة، وتحويل الأموال لن يكون عائقاً أمام التنظيمات الإرهابية على أية حال، هم مشغولون بشكل أساسي بطرق جني الأموال، حتى يستمروا في البقاء".
ويرى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أن "التصريحات الخاصة بالقضاء على داعش لم تكن واقعية، والأهم هو تجفيف منابع التمويل الخاصة به. القضاء على داعش يجب أن يكون عربياً، ومن المهم أن تقتنع الدول العربية بهذا، فالقضاء على التنظيم لن يكون على يد أميركا".
ترتيب مبكر ويقول عمرو فاروق الباحث في شؤون الحركات الإسلامية لـ"النهار": "اعتقد أن داعش رتب أموره في ما يخص تحويل أمواله منذ وقت مبكر. وقد عمل التنظيم في شتى المجالات غير المشروعة لجني الأموال. فهو يعتبر أن كل من حوله كفار، ومن ثم يجوز معهم فعل أي شيء. كما أنه استحوذ على مناجم الذهب في مناطق سيطرته، وهذا جعل لديه كميات هائلة من الأموال، يصعب حصرها".
ويري فاروق "أن داعش ضخ كمية من أمواله إلى فروعه حول العالم، وهذه االفروع سوف يكون لها دور كبير في المرحلة المقبلة، وسوف تكون بمثابة خزائن أموال داعش. فإلى جانب العملات الافتراضية، سوف يعتمد على تحويل أمواله إلى العملات التي يسهل التعامل بها دولياً مثل الدولار والأورو، إضافة إلى الذهب، وقد يحول جزءاً من هذه الأموال إلى أسلحة ومتفجرات".
ويشير الباحث إلى أن "داعش يجيد إدارة تجارته عبر الانترنت، وقد يكون حول أموالا عبر الشبكة العنكبوتية إلى الغرب. وبالتأكيد فهناك أشخاص متواجدون في أوروبا ينتمون إلى التنظيم، وهم غير معروفين لأجهزة الأمن الغربية، ويمثلون خزائن لحفظ أموال التنظيم".
ويوضح أن "الإنتربول الدولي حذر عدداً من الدول الغربية من أن هناك مخططات لتنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا وأميركا، وهي على الأرجح ستكون موجة عنيفة من هجمات الذئاب المنفردة، فداعش إلى جانب تخزينه أمواله، يقتصد في استخدامها، من خلال عمليات إرهابية فردية محدودة التكاليف، وفي ذات الوقت، تعلن عن وجوده على الأرض".
والتنظيم حسبما يقول فاروق "اعتمد بصورة كبيرة على فكرة الدولة، لذا كان يضع في اعتباره دائما الجانب الاقتصادي، وكان يفرض إتاوات على الشركات والمصانع التي تعمل في مناطق نفوذه في سوريا والعراق وليبيا وإفريقيا، وأعتقد أنه سوف ينتقل إلى القرن الإفريقي، فهذه المنطقة مهمة بالنسبة له لأنها مناطق رخوة وحكوماتها ضعيفة". المصدر: النهار