يتباهى تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، بقضائه على آخر مجموعات تنظيم "جند الإسلام"، التابع لتنظيم "القاعدة"، في محافظة شمال سيناء، والتي كانت تتمركز في إحدى مناطق جنوب مدينة رفح، حيث تنتشر المجموعات القبلية التي تتعاون مع الجيش المصري لمحاربة "ولاية سيناء". يأتي هذا وسط غياب تام للدولة المصرية، متمثلة في قوات الجيش المنتشرة في مدن شمال سيناء، لتظهر المحافظة وكأنها خارج سيطرة النظام، وباتت الكلمة الأولى والأخيرة فيها للتنظيم الإرهابي، الذي نفّذ ولا يزال هجمات ضد قوات الجيش والشرطة والمتعاونين معهما، بالإضافة إلى هجماته على تنظيم "جند الإسلام"، ما يفرض تساؤلات عدة حول سيطرة الدولة على شمال سيناء، ومدى قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية فيها، في ظل الحملات العسكرية المتتالية على مدار السنوات السبع الماضية.
وأكدت مصادر قبلية وطبية متطابقة، لـ"العربي الجديد"، أن خسائر بشرية لحقت بمجموعة عسكرية تنتمي إلى تنظيم "جند الإسلام" قبل أيام، في هجوم شنه تنظيم "داعش" على مربعة البرث جنوب رفح، فيما لم يتجه أي طرف، سواء المجموعات القبلية أو قوات الجيش، لتخليص المجموعة من هجوم "داعش"، على الرغم من الحديث عن وجود تنسيق بين الأطراف الثلاثة، ما أدى إلى مقتل غالبية أفرادها، فيما لم يُعرف مصير اثنين منهم حتى اللحظة. وتمكنت مجموعات "داعش" من الانسحاب من المنطقة من دون أن تصاب بأذى، على الرغم من أن مربعة البرث تعد منطقة عسكرية مغلقة. مع انتشار قوات الجيش والمجموعات القبلية فيها، إلا أن التنظيم استطاع اختراقها أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، مستهدفاً المتعاونين مع الجيش والاستخبارات المصرية، فيما كان الهجوم هذه المرة من نصيب تنظيم "جند الإسلام" التابع لتنظيم "القاعدة".
وأوضحت المصادر القبلية أن "ولاية سيناء" يتهم "القاعدة" بالتحالف مع المجموعات القبلية التي تعمل بشكل علني مع قوات الجيش في مناطق جنوب رفح والشيخ زويد منذ عدة سنوات. وأشارت إلى أنه جرى، خلال الفترة الماضية، تبادل رسائل بين الطرفين، لإنهاء الخلاف بينهما، باندماج عناصر "القاعدة" في "داعش"، وتسليم كافة الأسلحة والمعدات التي يملكونها إلى "ولاية سيناء"، ووقف كل أشكال التعاون مع المجموعات القبلية، ومحاربة الجيش برفقة التنظيم في كافة مناطق تواجده. إلا أن هذه الوساطة وصلت إلى طريق مسدود، في ظل رفض المجموعات العسكرية التابعة لـ"القاعدة" الانخراط في "داعش"، وهذا موقفها الثابت منذ مبايعة "أنصار بيت المقدس" لتنظيم "داعش" وتحويل اسمه إلى "ولاية سيناء" قبل ست سنوات.
وبذلك، فإن التنظيم يكون قد حسم لمصلحته خلافاً قائماً منذ سنوات مع "القاعدة" في سيناء، كما حسمه سابقاً في مناطق أخرى خارج مصر، في حين أن "ولاية سيناء" يسعى جاهداً لفرض سيطرته على مناطق أوسع في شمال سيناء، في ظل حربه المفتوحة مع الجيش والمجموعات القبلية التي تم تشكيلها بمعرفة أجهزة الاستخبارات المصرية قبل سنوات. فيما يبقى السؤال قائماً عن مدى سيطرة الدولة المصرية على أراضيها في شمال سيناء، في ظل استمرار هجمات التنظيم الإرهابي، في عدة اتجاهات ومحاور، وضد كافة خصومه، من دون تمكن العمليات العسكرية المتتالية من القضاء عليه، ووقف هجماته وتمدده في المحافظة الواقعة شرقي البلاد. وفي وقت لاحق، أكد تنظيم "ولاية سيناء"، في تقرير له في صحيفة "النبأ"، هجومه على تنظيم "القاعدة" وسيطرته على آخر معاقله جنوب رفح وقتل 7 من عناصره واختطاف ثامن، والاستيلاء على أسلحة ومعدات ووثائق، زعم أنها تثبت تورط "القاعدة" في رصد ومتابعة نشاط تنظيم "ولاية سيناء" في مناطق جنوب رفح والشيخ زويد.
وتعقيباً على ذلك، قال أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم "ولاية سيناء" لديه رغبة جامحة في إنهاء وجود كل الأطراف التي تقف في وجهه خلال معركته مع الجيش المصري، من قبيل المجموعات القبلية، مروراً بتنظيم "القاعدة"، وليس انتهاءً بالمدنيين الذين يرفضون التعاون مع الأمن المصري. وأوضح أن هذا الدافع الرئيسي إزاء اتجاه التنظيم للقضاء على "القاعدة" في سيناء، على الرغم من قلة عددهم وقدراتهم المادية، مقارنة بتنظيم "داعش" الذي بات يملك قوة بشرية وعسكرية تمكّنه من الاستمرار في التواجد في أرض سيناء حتى هذه اللحظة. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك لا يرغب التنظيم في وجودهم، بحجة أنهم تعاونوا مع المجموعات القبلية التي تعمل تحت لواء الجيش المصري، وبالتالي باتوا يعتبرون مجموعات "القاعدة" عيوناً للجيش المصري تراقب نشاطهم وتنقلها للمجموعات القبلية التي تعمل في خط ساخن مع الجيش والاستخبارات.
وأضاف أن المجموعات القبلية، ومن خلفها الجيش، تركت "داعش" يقضي على "القاعدة" في شمال سيناء، وذلك على عدة مراحل، خلال السنوات الماضية، كان آخرها ما وقع قبل بضعة أيام، فيما يمكن للجميع الجزم بأن "القاعدة" كوجود عسكري بات حقبة من الماضي في سيناء، وهذا من شأنه أن يزيد قوة "داعش". وأشار إلى أن الجيش المصري وأجهزة الاستخبارات لا ترى مشكلة في أي مواجهات تقع بين التنظيم وأي طرف آخر بسيناء، لأنه من منظورها فإن كل الأطراف في سيناء كانت أو ما زالت معادية للجيش، فبالتالي أي خسائر تقع ستكون لصالح الجيش، على الرغم من أن الحديث عن مواجهات بين تنظيمين، مثل "داعش" و"القاعدة"، أو "ولاية سيناء" والمجموعات القبلية من شأنه أن يضعف صورة الدولة المصرية، وكأن شمال سيناء باتت خارج دائرة السيطرة، وأن حديث "داعش" عن قدرته على مواجهة الجيش، ومن يتعاون معه، يجب الأخذ به، في مقابل حديث الجيش عن سيطرته وضربه لجذور التنظيم، إلا أن ذلك لا يظهر على أرض الواقع.