يبدو ان النكسات المتتالية التي منيت بها سياسة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ازاء الازمة السورية والتي ارسى اساسها وزير خارجيته السابق رئيس وزرائه الحالي احمد دواود اوغلو ، دفعت الرجل الى اللعب على المكشوف ، وهو موقف قد يدخل الازمة السورية وعلاقة تركيا مع الاقليم في منعطف جديد.
بعد ان بح صوت اردوغان وهو يدعو امريكا والناتو الى اقامة منطقة عازلة شمالي سوريا لتكون قاعدة للانطلاق منها لتجسيد حلمه في اسقاط حكومة الرئيس بشار الاسد ، دون ان يجد من يصغي اليه حتى من قبل اقرب حلفائه في واشنطن ، الذين طالما اتهموا اردوغان بدعم وتسليح "داعش" والمجموعات التكفيرية الاخرى في سوريا ، لتحقيق حلمه القديم ، دون ان يأخذ بنظر الاعتبار تداعيات مغامراته السياسية في سوريا والمنطقة.
ويبدو ان اردوغان قد سمع كلاما قاسيا من ضيفه نائب الرئيس الامريكي جو بايدن الذي زار انقرة قبل ايام ، لوقف مغامرته او التقليل من اندفاعه ، نحو مد "داعش" بمختلف الاسلحة وفتح الاراضي التركية امام عناصر هذا التنظيم ، والدخول في تحالف معه اكثر مما هو موجود الان وقد يضر بعلاقة تركيا بواشنطن ، وهو ما بدا واضحا من فورة الغضب العارمة التي انتابت اردوغان وهو يتحدث عن وقاحة البعض الذي يحاول فرض سياسته على انقره ، في اشارة ضمنية الى ما يعتقد انها اوامر صدرت من بايدن لاردوغان ، اثارة حفيظة الاخير.
ولما راى اردوغان ان موازين القوى في سوريا والعراق وحتى داخل تركيا لاسيما في المناطق الكردية المتاخمة لسوريا ، لا تميل لصالحه ولا لصالح المعارضة السورية التي ساهم هو وقطر في تصنيعها ، بينما الرجل وضع كل بيضه في سلة واحدة ، ومازال يعتقد ان بامكانه الابقاء على هذا البيض سالما رغم وعورة الجغرافيا السياسية.
يبدو ان فشل سياسة اردوغان ازاء سوريا لم تدفع الرجل للاستسلام للواقع ، بل يسعى الى تغييره بكل ما يملك من اوراق حتى لوكان ثمن هذا التغيير ان تخرج العلاقة التي تربط النظام السياسي التركي وشخص اردوغان بتنظيم "داعش" الارهابي التكفيري وباقي التنظيمات التكفيرية الاخرى في سوريا الى العلن ، وهذا بالضبط ما حصل ، ويبدو ان اردوغان ينوي من خلال هذه السياسة الجديدة ان يقلب الطاولة على الجميع ، في محاولة لاعادة ترتيب اللعبة وفقا لرؤيته لمستقبل سوريا والحكومة السورية ولسوريا كوجود.
التجسيدات العملية لهذه السياسة ظهرت جليا وسريعا يوم الخميس الماضي ، عندما نقلت عدسات الكاميرا التي ترصد المعركة الدائرة بين القوات الكردية المدافعة عن مدينة كوباني "عين العرب" وبين مسلحي "داعش" الذين يحاصرون المدينة من الشرق والغرب والجنوب ، سيارة تاتي من شمال مدينة كوباني ومن الاراضي التركية بالتحديد ، وهي الجهة التي من المفترض ان تكون تحت سيطرة الجيش التركي ، وتدخل مدينة كوباني وتنفجر في المقاتلين والمواطنين الاكراد، الذين كانوا يديرون ظهورهم للاراضي التركية.
هذه الحادثة اكدها "المرصد السوري" لحقوق الإنسان، الذي اعلن إن التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم "داعش" داخل مدينة كوباني السورية جاء من جهة الحدود التركية خلف البلدة المحاصرة من قبل "داعش" منذ شهور .
وقال المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردي السوري نواف خليل إن" بلدة كوباني التي تدافع عنها قوات كردية تتعرض لهجمات من أربع جهات، تشمل الحدود التركية خلف القوات الكردية المرابضة داخل البلدة".
شهود عيان ذكروا إن مسلحي "داعش" تمركزوا خلف البلدة على طول الحدود التركية، مسلحين بالدبابات والأسلحة الخفيفة والمتفجرات، مؤكدين ان هناك تعاون وثيق بين تركيا "داعش".
من سوء حظ اردوغان ان مدينة كوباني الكردية السورية المحاصرة منذ شهور من قبل "داعش" تحولت الى نقطة اهتمام لوسائل الاعلام العالمية ، التي ترصد عدساتها كل شاردة و واردة في المدينة وما يجري من حولها ، فهناك العشرات بل المئات من الصحفيين والمصورين والمواطنين العاديين ، وهم يراقبون تطورات المعركة ، لاسيما بعد الضربات الجوية التي تنفذها طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ، وخاصة بعد الموقف المخزي للقيادة التركية مما يجري في المدينة التي تبعد مئات الامتار فقط عن الحدود السورية ، والتي قد ترتكب فيها مجازر في اية لحظة في حال وقعت بيد "داعش" ، بينما هذه القيادة ترفض تقديم اي دعم حتى لو كان انسانيا للمقاتلين الاكراد داخل المدينة ، متقدمين بشروط تعجيزية لتقديم اي دعم ومنها التدخل العسكري الامريكي في سوريا من اجل اسقاط حكومة الرئيس بشار الاسد ، لذلك فاي تغيير في خريطة المعركة يمكن رصده وبشكل سريع ، وهو ما صعب الامر على اردوغان في التدخل بشكل سافر لصالح "داعش".
ان قرار اردوغان في الدخول الى جانب "داعش" في معركتها ضد الاكراد ، قد وجد طريقه الى الارض ، وان كانت انقرة تنفي كل ذلك جملة وتفصيلا ، الا ان انتحاريي "داعش" وعدسات الكاميرا فضحوا اردوغان ، وعقدوا عليه عملية تغيير اللعبة في كوباني لصالح حلفائه. المصدر: العالم الإخباري