يجب نقل الأطفال والنساء إلى مستشفيات بتقنيات أفضل من المتوافر في المشافي الميدانية. جملة تختصر معاناة60 ألف مدني من أبناء نبلوالزهراء المحاصرتين، بالتزامن مع الدفاع المستميت للجان الشعبية عن حدود البلدتينفجأة عادت قضيتهم المنسيةإلى الواجهة بعد حصار قارب سنتين. الاهتمام الإعلامي المفاجئ يثير سخرية أبناء البلدتين الذين يقاومون المدّ التكفيري منذ بداية الحراك المسلح المعارض. 60 ألف مواطن في ريفحلب الشمالي يدافعون عن أنفسهم وسط مساحات واسعة من التمرد المسلح حولهم. أيام طويلةمرّت من القصف على البلدة. من قرية الزهراء يصل النداء: «الوضع الصحي سيّئ.
بعض إصابات الأطفال ما بتنفع معها مشافي ميدانية ولا حتى مشافي عفرين. في حالات خطرة بدها نقل على حلب». ويتابع محمد، أحد شبّانالقرية، وصف الوضع قائلاً: «في حالات حرجة عم نواجهها بالعجز.
وبيضطروا الأطباء لبتر العضو المصاب كحلّأخير. يمكن لو كان فيه مشفى كبير فيو تقنيات أفضل ما منضطر للبتر». تتزايد الحالاتالإنسانية التي تستوجب النقل إلى مشفى خارج المنطقة، وذلك عبر طريق عفرين، ذات الغالبية الكردية، إلى الشمال الغربي من نبل، الطريق الوحيد المفتوح للمدنيين. غير أن للطريق مخاطره، وهو المطلّ على عدد من القرى الكردية التابعة لعفرين. وبحسب محمد، فإن الطريق معرّض لمزاج التجار، إذ يفتح أياماً ويغلق أياماً أُخرى، والمسافرون عبره معرّضون للخطف أيضاً. ضعف وجود الدولة في المنطقة جعل من عفرين كياناً له خصوصيته. البعض يفرض أتاواتعلى تجار نبل والزهراء عند شحن بعض البضائع الغذائية، بحسب زيد،
أحد الموظفين من قرية الزهراء، في حين يؤكدعدد من أبناء البلدتين أن الخروج من جحيم الحصار خطر ومكلف، وقد تصل تكاليفه إلى100 ألف ليرة (500$). درب الخلاص يبدأ من عبور الحدود التركية ثم إلى القامشلي فدمشق أو أي مدينة أُخرى. غير أن المسافر معرّض للإذلال من قبل حرس الحدود الأتراك، حسب الأهالي.
«شبابنا ما ناموا من 5 أيام. صاروا مدمرين دبابتين لهلّأ. الضرب من كل الجهات»، يقول حسن، من داخل البلدة. ويضيف: «المسافة بيننا وبينالعدو 1500 متر. أبسط أنواع القذائف ممكن تسقط بنص البلدة. عم يستخدموا جرات الغازوالهاون والصواريخ والدبابات والراجمات. عم يتقصدوايضربوا عالمدنيين لإثارة الرعب».سنة ونصف السنة مدة الحصار العسكري، في حين يرى المدنيون أن بلدتهم محاصرة منذ ثلاثسنوات، عندما أُطلقت التهديدات الطائفية ضد أهالي المنطقة، وبدأ العنف يمتد باتجاههم.الغلاء الفاحش مؤشر على الحالة العامة التي تزداد سوءاً، إذ زاد سعر عبوة الغاز على10 آلاف ليرة (50$).
«الأمم المتحدة بعتتلنا إغاثات سرقوها المسلحينعالطريق. عنا مشفى ميداني صغير، بكل ضيعة. عم نحاول
نداوي فيه الإصابات بإمكانيات متواضعة جداً»،يقول حسن مجدداً. لا يوجد ملاجئ في المنطقة للاحتماء من صواريخ المسلحين وقذائفهم.أصحاب البيوت العلوية لجؤوا إلى السفلية، فيما معظم بيوت البلدة أرضية. تسلل المسلحينإلى الجبهة الشرقية من جهة المعامل، أوقع بعض النقاط في أيديهم وأدى إلى اقترابهم وسهولةاستهداف البلدة بالقذائف. يذكر حسن أن من لديه قبو فقد لجأ إلى تجهيزه والاحتماء فيه، أما الآخرون فلا سبيل لأن يسلموا من أي قذيفة. الناس التزموا بيوتهم والمحالّ التجاريةمغلقة، ما يعني شبه توقف للحياة اليومية في القريتين. حالة الالتحام بين المدنيين واللجان المدافعة عن البلدة تبلغ أوجها، حيث تظهر بشكل متكرر، خلال أحاديثهم، عبارات الدعاءوالامتنان للشباب الذين يقاومون غزو «الجيران». يقول حسن: «شبابنا عم يحاولوا يسترجعوااللي راح. صاروا مدمرين دبابتين عم يقصفونا. وراح من المسلحين عشرات القتلى والجرحى».ويذكر حسن أن بين المدنيين هُنالك 3 شهداء، وإصابات متنوعة لآخرين، بينها بتر أعضاء.ويضيف: «الإصابات خفيفة داخل الزهراء خلال اليومين الفائتين بهمّة الشباب المدافعين عن البلدة». «إذا فتحتي الخريطة بتشوفي إنو من حلب لتركيا ما فيه غيرنا مع الدولة.ليش ساكتين ما عم يجيبوا سيرتنا؟ ما إلنا حصة بهالدولة يعني؟»، يضيف بحزن.
لا إجابات عن تساؤلات المدنيين، إذ إن الحروب لتي تخوضها الدولة على معظم الجبهات تُحرج المسؤولين المعنيين بالإجابة. تتحمّل قريةبيانون المجاورة الحصة الأكبر من حالة السخط الشعبي داخل نبل والزهراء اللتين تبعدان عن حلب ما يقارب 20 كلم شمالاً، فيما يفصلهما عن مطار منغ العسكري ما لا يزيد على12 كلم.
وتهيمن بيانون على المحور الشرقي من قريةالزهراء، إذ تعتبر الخرق الأمني الأعنف جنوب شرق قرية الزهراء، في حين يحاول المسلحون خرق دفاعات البلدتين بفتح ثغرة عبر محاور ماير ــ الدوار شمالاً.
ومنذ أيام تحرك بعض أبناء القريتين من سكان منطقة السيدة زينب في دمشق، ضمن تظاهرةلمطالبة السلطات بحماية أهالي نبل والزهراء المنكوبتين. يستغرب وسيم، أحد المشاركين في التظاهرة، أنوضع البلدتين يمر من دون أي تغطية إعلامية في الداخل. ويتساءل كيف شغلت «كوباني»، الواقعةشمالي شرقي البلاد، الدولة رسمياً وإعلامياً، خلال حرب أبنائها مع «داعش»، فيما «تخرسالشاشات عند ذكر وجع نبل والزهراء لاعتبارات طائفية كل مرة».