عبد الله سليمان علي بالتزامن مع وصول قافلة جديدة من «الجهاديين» السعوديين إلى سوريا، بقيادة أبي معاذ الساعدي، ووسط احتدام معركة «الإلغاء الجهادية» بين «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وتصاعد المواقف الدولية الداعية إلى درء خطر عودة «الإرهابيين» إلى بلادهم، تستمر الجماعات «الجهادية» في تعزيز إمكاناتها من جهة، ومحاولة إعادة الاصطفاف من جهة أخرى. وفي هذا السياق برز الكشف عن افتتاح معسكرات جديدة على الأراضي السورية لاستقبال «المقاتلين الأجانب»، في الوقت الذي فاجأ فيه الداعية السعودي الوسيط السابق الشيخ عبدالله المحيسني أوساط «الجهاديين» بطرح دعوة لما أسماه اتحاد الجبهتين، قاصداً «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية». وبينما لم تنته بعد تدريبات الدفعة الأولى من «المقاتلين الأجانب» (يتوقع انتهاؤها بعد حوالي شهر) التي التحقت بـ «معسكر الفاروق» المؤسس منذ حوالي شهرين فقط، جرى الإعلان عن افتتاح معسكر ثانٍ باسم «معسكر البتار»، والتجهيز لافتتاح معسكر ثالث باسم «معسكر الغرباء». وتخصص هذه المعسكرات لاستقبال «المقاتلين الأجانب» وتدريبهم شريطة عدم انتمائهم إلى أي فصيل معروف في الساحة السورية، أو لم يسبق لهم الالتحاق بأي معسكر آخر، بحسب ما قال المحيسني على حسابه على «تويتر»، والذي يعتبر المشرف والمنسق الأساسي لهذه المعسكرات. وما يدعو إلى الاستغراب أن طلبات التسجيل في هذه المعسكرات تقدم عن طريق «تويتر»، كما أن المحيسني يدعو علناً إلى دعم هذه المعسكرات والتبرع لصالحها في حسابات مصرفية، ذاكراً أرقام الحسابات والمصارف التي يتعامل معها، وغالبيتها يتواجد في دول الخليج. وسبق للمحيسني أن أسس مركز «دعاة الجهاد» في سوريا، والذي يقوم بمهمتين أساسيتين، الأولى نشر أفكار «الجهاد» في أوساط مرتاديه، والثانية القتال مع الجماعات التي يتحالف معها، وأهمها «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية». وكان لافتاً أن يعلن المحيسني أن أعداد «النافرين» في ازدياد، وأنه في حال لم تتسع المعسكرات لهم فإنه ينصح الباقين بالانتماء إلى إحدى الجبهتين السابقتين، وذلك رغم تأكيده المستمر أن الساحة في الشام ما تزال بحاجة إلى مزيد من الرجال. من جهة أخرى، فاجأ المحيسني أوساط «الجهاديين» أمس الأول من خلال طرحه دعوة إلى اتحاد «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» مع بعضهما، قائلاً: «آن الأوان لقادة الجبهتين، الإسلامية والنصرة، أن يبادروا بالاتحاد، وتغليب مصلحة الأمة على مصلحة الجماعات». ويعتبر المحيسني من الشخصيات التي يكتنف الغموض الدور الذي تقوم به ولمصلحة من، وهذا ما يجعل من دعوته السابقة محط اهتمام خاص، لاسيما نظراً للدور الذي قام به في المساهمة في إشعال الصراع بين «داعش» من طرف وكل من «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» من طرف آخر، وانحيازه إلى الطرف الثاني بعد أن كان يعتبر من المقربين من الطرف الأول. وما يزيد من أهمية هذه الدعوة أن المحيسني يدرك أكثر من غيره العقبات التي تحول دون تحقيقها، كما يعرف الثمن الباهظ الذي قد يدفعه كلا الطرفين في حال إقدامهما على الاتحاد. فعلى سبيل المثال فإن «النصرة» مصنفة على أنها تنظيم «إرهابي»، فهل من مصلحة «الجبهة الإسلامية» أن تتحد معها في ظل هذا التصنيف، وهي التي تسعى إلى إبراز نفسها كتنظيم «معتدل» عن تنظيم «القاعدة». وفي حال الاتحاد هل سيبايع الكيان الجديد زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري أم أن «النصرة» ستسحب بيعتها له، علماً أن جميع مكونات «الجبهة الإسلامية» انتقدت بيعة زعيم «النصرة» أبي محمد الجولاني للظواهري في حينها؟. وعلى فرض أنه تمّ تجاوز العقبات السابقة، فماذا عن الأثمان التي سيضطر الطرفان إلى دفعها بسبب هذا الاتحاد. وهنا يبرز موقف «المقاتلين الأجانب» في «النصرة»، والذين لم يلتزموا معها إلا بسبب انتمائها إلى تنظيم «القاعدة» ووجود بيعة منها للظواهري، وبالتالي احتمال انسحابهم من الكيان الجديد، خصوصاً أن لديهم الكثير من المآخذ المنهجية على أفكار ومبادئ «الجبهة الإسلامية»، ولاسيما «جيش الإسلام»، الذي كان في الواقع أول من وصف «النصرة» بأنها «خوارج العصر»، وذلك حتى قبل الخلاف بين الجولاني وزعيم «داعش» أبي بكر البغدادي. كما يبرز الموقف الإقليمي والدولي من الكيان الجديد، واحتمال تصنيفه على أنه «إرهابي» في حال حافظ على علاقته مع «القاعدة» ولم يسحب بيعته لها. لكن مما لاشكّ فيه أن الكشف عن هذه الدعوة يعتبر دليلاً كبيراً على الضعف الذي أصاب «جبهة النصرة»، وأنها لم تعد ذلك الفصيل القوي الذي يحسب أصدقاءه قبل أعدائه حساب المساس به، ولو عبر دعوة ملتبسة غير واضحة الأبعاد. المصدر: جريدة السفير