بعد أن ظلّت مسألة تمويل الجمعيات في تونس تثير جدلا كبيرا لدى المراقبين، تجاوز اليوم التساؤل عن مصدر التمويل إلى دافع وأهداف هذه الأموال وفيما يتم إنفاقها. لاسيما بعد أن ثبت أنّ عشرات الجمعيات الخيرية تموّل تنظيم أنصار الشريعة المصنف ضمن المنظمات الإرهابية في تونس. كما كشفت عدة تقارير أنّ عددا من الجمعيات مرتبطة بأحزاب دينية وأخرى تتخفى ورائها جماعة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. بينما تستخدم جمعيات أخرى كغطاء لتجنيد الشباب التونسي والدّفع به إلى ساحات القتال بسوريا.
وباتت عدة أطراف تستغل الجمعيات لاسيما المسماة بالجمعيات الخيرية كجدار عازل يحجب حقيقة أنشطتها وأهدافها، التي تكون في ظاهرها أعمالا خيرية اجتماعية وفي الخفاء مصنعا للإرهاب تزكيه وتخلق له المناخ اللازم.
وقد رأى الأغلب في البداية أنّ هذه الجمعيات تعد مكسبا حقيقيا للمجتمع المدني ستساند الدّولة في حل مشاكل المجتمع، كمجابهة الفقر والبطالة أو دعم حقوق الإنسان والحريات. ولكن لا الفقر زال ولا البطالة حلت، ولا نال الإنسان حقا وحرية جديدة. في المقابل فاقمت هذه الجمعيات مشاكل المجتمع وخلقت أزمة أكبر، أزمة ما كان المجتمع التونسي يعرفها، وهي أزمة تمويل وصناعة الإرهاب.
عدّة أطراف أكدت أنّ تزايد عدد الجمعيات في ظل صعوبة الرقابة خاصة على المستوى المالي من أهم أسباب الفوضى التي باتت تعم القطاع، وأنّ ثغرات مرسوم الجمعيات تعطي مجالا لتطاول البعض وتحويل الهدف الخيري إلى مآرب أخرى، لاسيما منها خدمة بعض الأحزاب التي تخدم بدورها أجندات سياسية أجنبية إرهابية.
و يذكر أن عشرات الجمعيات الإسلامية أنشئت بعد الثورة و بان فيما بعد أنّها تتبنى الفكر الوهابي. وتضخ لهذه الجمعيات أموال ضخمة من الخارج تستعمل لدعم الإرهاب، وفق ما أشار إليه فريد الباجي رئيس دار الحديث الزيتونية لوكالة آسيا للأنباء. مؤكّدا على ضرورة فرض الرقابة المالية على هذه الجمعيات وتفعيل القانون.
وتختلف أنشطة هذه الجمعيات تحت مسميات عدّة من الخيري إلى العلمي إلى الحقوقي، ولعلّ أخطرها حسب المراقبين التي تكتسب الطابع التربوي، حيث تبث أفكارها وتنشئ جيلا متطرفا إرهابيا باسم الدّين. فقد أسست عدة جمعيات إسلامية مئات المدارس القرآنية التي ثبت أنّ منهجها التعليمي بعيد كل البعد عمّا أقرته وزارة التربية. كما يدرّس في هذه المدارس رجال ملتحون ونساء منقبات، تحظر اختلاط الإناث والذكور، وتمنع الأطفال من اللعب بالدمى أو الاستماع إلى الموسيقى، أو الرسم بدعوى أن ذلك "حرام". كما يلزم بعضها طفلات في سن الرابعة والخامسة بارتداء الحجاب. المصدر: جريدة الأخبار