مخطط السلطان العثمانى لتفتيت الدول العـربية بسلاح الجماعات المتطرفة
تعيش تركيا كابوساً سياسيا واقتصادياً فى الفترة الحالية بسبب السياسات القمعية والديكتاتورية التى ينتهجها الرئيس رجب طيب أرودغان من دعمه للجماعات الارهابية خاصة داعش وجبهة النصرة فى سوريا لاسقاط نظام بشار الأسد.
وأوضح مجموعة من الخبراء أن العديد من اصدقاء الأمس وفى مقدمتهم على باباجان وزير الاقتصاد الأسبق وأحمد داوود اوغلو، بالإضافة إلى الرئيس الأسبق عبدالله غول، قد انقلبوا على اردوغان بسبب سياساته.
الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أكد أن سر دعم رجب طيب اردوغان رئيس تركيا المستمر للتنظيمات الارهابية، وخاصة جبهة النصرة وداعش فى سوريا، يكمن فى أن التحركات التركية يعاد تركيبها مرة اخرى فى الفترة الحالية، خاصة بعد مقتل ابو بكر البغدادى زعيم تنظيم داعش الارهابي.. على اثر غارة أمريكية، بالاضافة إلى الهجوم التركى على شمال شرق سوريا، والذى أطلقت عليه تركيا اسم عملية نبع السلام.. وهو عملية عسكرية وغزو للأراضى السورية، وقامت به القوات المسلحة التركية وجماعات المعارضة المسلحة المتحالفة معها، ضد المناطق الخاضعة لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية، وبدأت العملية العسكرية فى 9 أكتوبر 2019 عندما شنت القوات الجوية التركية غارات جوية على البلدات السورية الحدودية، وذلك بعد أن بدأت القوات الأمريكية بالانسحاب من شمال شرق سوريا، بعد عدّة أعوام من تدخلها العسكرى فى الحرب الأهلية المندلعة فى البلاد، حيث كانت تدعم قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية فى حربها على تنظيم الدولة الإسلامية، موضحا أن اردوغان شارك فى الافراج عن عدد كبير من عناصر تنظيم داعش الارهابى الذين كانوا محتجزين لدى القوات الكردية، لكى يقوموا بعمليات تدعم وتحافظ على الأمن القومى التركي.
واشار فهمى إلى أن الدعم الذى يقدمه اردوغان للتنظيمات الارهابية، خاصة داعش وجبهة النصرة، له عدة وسائل مثل دعم اقتصادى عن طريق توفير الاموال التى يحتاج لها التنظيم للقيام بعمليات ارهابية فى سوريا، وفى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وكذلك دعم سياسي، خاصة فى ظل وجود احتمالية لعودة داعش وإعادة تمركزه فى الداخل بالقرب من المنطقة الآمنة التى يخطط لها الأتراك داخل الاراضى السورية، مضيفا أن داعش مازالت موجودة فى مناطق التماس على حدود العراق وسوريا وتركيا، وسوف تعلن عن نفسها فى الفترة القادمة، وقد يتم دعمها من تركيا بطريقة مباشرة وعلى مرأى ومسمع من الجميع.
واوضح استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هناك تغييراً سيحدث فى تنظيم داعش وجبهة النصرة خلال الايام القليلة القادمة، برعاية من اردوغان، فى خريطة الانتشار الجغرافى وفى قيادات هذين التنظيمين، مضيفا أن اردوغان يعانى حاليا من رحيل اصدقاء الأمس من حوله، وسوف يكون هناك تغيير يحدث، وسيكون من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، خاصة أن هناك قيادات كبيرة فى الحزب ترى أن أردوغان أضر بالحياة النيابية.. وصورة الحزب.
من جانبه قال الدكتور كرم سعيد، باحث متخصص فى الشأن التركى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن إعلان وزير الاقتصاد الأسبق على باباجان اتجاهه لتأسيس حزب سياسى قبل نهاية العام الجاري، والذى كان قد استقال قبل أشهر من الحزب الحاكم، لعدم قناعته بمسار الحزب فى الوقت الحالي، واعتراضه على طريقة إدارة الرئيس التركى للأمور، وخاصة فى تعزيز الممارسات السلطوية لاردوغان على حساب النهج الديمقراطى الذى اتبعته تركيا مع وصول حزب التنمية والعدالة إلى سدة الحكم فى عام 2015، موضحا أن هناك توظيفاً لبعض الجماعات المسلحة فى سوريا، وخاصة جبهة النصرة وتنظيم داعش الارهابي، لمواجهة الخصوم المعادية لتركيا، وخاصة إيران وروسيا، بالأضافة إلى توسيع نفوذها داخل المنطقة العربية. واشار سعيد إلى أن أردوغان يريد تأمين الشريط الحدود التركى السوري، عن طريق الاستعانة بهذه الجماعات الارهابية لصد أى هجمات تأتى لها من القوات الكردية، وبالاضافة إلى تمكين هذه الجماعات من القيام بعمليات ارهابية تدعم مصالح اردوغان فقط، مؤكدا أن الوضع السياسى فى تركيا حاليا معقد جدا، خاصة فى ظل السياسات القمعية التى يقوم بها اردوغان، بالإضافة إلى رحيل العديد من قيادات حزب العدالة والتنمية مثل على بابان جان وأحمد داوود أوغلو الرئيس السابق للحزب ورئيس الوزراء السابق.. ودعمه لتأسيس حزب سياسى جديد، بالاضافة إلى عبد الله غول وهو أحد مؤسسى حزب العدالة والتنمية، وشغل منصب رئيس الجمهورية من قبل، وكان أقرب المقربين إلى أردوغان، وهو الآخر يسعى لانشاء حزب سياسى جديد بسبب سياسات اردوغان الفترة السابقة، وقيامه بالعدوان على سوريا، ودعمه للتنظيمات الارهابية وحكومة السراج فى ليبيا.. وغيرها.
وأضاف كرم، أن وحدة الأحزاب المعارضة التركية ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية هى الحل الوحيد الذى يفضح الممارسات الديكتاتورية له، وخاصة فى حالة تزويره للانتخابات القادمة.
وفى سياق متصل قال سامح عيد الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إن سبب انقلاب اصدقاء الأمس على اروغان.. يكمن فى سياسته الديكتاتورية والقمعية ضد أى حد يعارضه، وهذا ليس بجديد عليه، خاصة أن اردوغان قد انقلب على خان اربكان زعيم حزب الرفاء، وقام بتشيكل حزب سياسى يسمى «حزب السعادة»، وأخذ معه القيادات الوسطى من حزب اربكان، موضحا أنه من الطبيعى حدوث ذلك، خاصة أن اردوغان مستبد فى الرأي، وقيام باباجان وأحمد داوود اغلو بتأسس احزاب معارضة لسياساته على الأقل فى بداية انشاء هذه الاحزاب.
وأشار «عيد» إلى أن اردوغان قام بتهديد اهالى مدينة أسطنبول، بالقيام بممارسة قمعية ضدهم بعد أن خسر حزب العدالة والتنمية التركى الحاكم معركة السيطرة على بلدية أسطنبول.. بعد إعادة إجراء انتخابات البلدية، وهو ما يمثل ضربة قاسية للرئيس أردوغان، الذى كان يقول «من يفوز بأسطنبول سوف يفوز بتركيا»، مضيفا أنه من المتوقع أن يحدث تراجع فى شعبية حزب العدالة والتنمية بشكل كبير فى الفترة القادمة، رغم أن الحزب يملك اسس وقواعد الديمقراطية، وهذا سوف يظهر جليا فى الانتخابات القادمة، بالاضافة إلى أن الحزب الحاكم سينافسه حزب داوود اوغلو وعلى بابان فى هذه الانتخابات، مما يجعل اردوغان ليس جاهز للفوز بأى انتخابات قادمة.
واوضح الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية أن هناك العديد من الدول فى مقدمتها تركيا والولايات المتحدة الامريكية، دعمت التنظيمات الارهابية التى ظهرت بعد عام 2011، وساعدت هذه الدول تنظيم داعش وجبهة النصرة بالاموال والسلاح، للقيام بعمليات تخريبية تخدم مصالح هذه الدول، مؤكدا أن اردوغان اطلق الحبل لتنظيم داعش للقيام بعمليات ارهابية، لأنه كان يريد الإطاحة بنظام بشار الأسد وكان يريد اسقاطه بأى ثمن، وخير دليل على ذلك أن عمر هذا التنظيم 4 سنوات، ومازال مستمراً حتى بعد مقتل ابو بكر البغدادى زعيم التنظيم.
من جانبة قال هشام النجار الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إن علاقة أردوغان بتنظيمى القاعدة وداعش علاقة وظيفية، حيث يعتبر هذه التنظيمات التكفيرية المتطرفة المسلحة إحدى أدوات تنفيذ مشروعه التوسعى الذى يعرف بالعثمانية الجديدة داخل البلاد العربية والإسلامية، استنادًا لما تقوم به تلك التنظيمات من عمليات عنف ونشر للفوضى واستهداف لمؤسسات البلاد وأجهزتها الأمنية، بما يسهل من مهمة أردوغان فى الغزو وفى احتلال مناطق استراتيجية وحيوية من البلاد العربية، ولذلك دعم أردوغان تلك العلاقة بالكثير من الاجراءات، منها نشر أفكار تلك التنظيمات فى التعليم التركي، وتصويرها بأنها هى الإسلام الصحيح، ومنها استغلال أزمات وهزائم تلك التنظيمات عبر دعمها واحتوائها وجعل تركيا هى سندها وراعيها.. بوصفها دولة قائمة ولها القدرة على التحرك فى واقع إقليمى ممتد.. وفى نفس الوقت تنتهج ذات الأفكار والمناهج الايديولوجية المتطرفة ولزعيمها نفس الأهداف من رغبة فى الاستيلاء على السلطة والثروات تحت عنوان اقامة الخلافة، بجانب دعم التنظيم الدولى للإخوان لنفس الأهداف والغايات.
وأشار النجار إلى ان سر انقلاب بعض قادة حزب الرئيس التركى عليه.. مثل باباجان وجول وأوغلو عائد لأسباب كثيرة، منها اعتراضهم على النظام الرئاسى منذ البداية، وعلى ممارسات أردوغان وحكومته وحزبه خلال السنوات الماضية.. من كبت للحريات وقمع للمعارضين السياسيين والصحفيين.. ووقف نشاط الأحزاب.. وجعل تركيا سجناً سياسياً كبيراً، علاوة على الفساد والفشل فى إدارة ملف الاقتصاد.. والتدهور الاقتصادي.. وانتشار الفقر والبطالة، مما أدى لتراجع شعبية أردوغان وحزبه وخسارته المدوية فى الانتخابات البلدية الأخيرة، ولذلك تحرك هؤلاء القادة للعودة للمشهد السياسى كمستقلين، وبعيدا عن حزب أردوغان، لتبرئة أنفسهم من هذا المسار ونتائجه الكارثية، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتهم السياسية، وللمساهمة فى إنقاذ الواقع التركى من تداعيات حكم أردوغان الشمولى الكارثي.
وأكد الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية أن الواقع السياسى فى تركيا مرشح للثورة وانطلاق الغضب المكبوت إلى الشارع من جديد، لكن هذه المرة عبر انتفاضة شعبية ضد هذه السلطة، وهذا التوقع مبنى على تشابه دوافع الغضب والثورة بين ما يجرى فى تركيا وإيران، فكلتاهما تردت أوضاعهما الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة اهدار موارد البلاد على مشاريع طائفية وايديولوجية خارجية، بغرض التوسع، حيث تنفق الاموال الطائلة على تسليح وتمويل تنظيمات وميليشيات وغزوات خارجية، وأيضًا تنتفض الشعوب اليوم ضد حكم فردى شمولى بلباس ديني.. ينشر القهر والتسلط ويتسبب فى الفرقة والانقسام.. ويهدر حقوق غالبية فئات الشعب السياسية والاقتصادية والثقافية.. لصالح فئة حاكمة تنتمى لمذهب أو أيديولوجية الحاكم، ولذلك فما يجرى فى إيران مرشح بقوة للتكرار فى تركيا قريبًا.. مع استمرار التضييق ومنع العمل السياسى والحزبي.. ومع استمرار الفساد والفشل الإداري.. ومع استمرار أردوغان فى تنفيذ مشروعه التوسعى الجنوني.