دموعي التي أحرقت المطر في عزه، وقبلاتي التي طبعتها على أقدامهم، لم تشفع توسلاتي لعناصر من "داعش" الإرهابي، وهم يستقطعون مني روحي وبكري بكل جرم وغدر، وسط الشارع، في ذكرى لازلت أعشيها كل ثانية قهرا وألما بروح مذبوحة.
إشقداتو ابني"… عبارة باللهجة الموصلية تعني "كم صغير ابني" نطقتها "أم عثمان" وهي باكية على ولدها في مطلع العشرين من عمره، الذي انتزعه تنظيم "داعش" الإرهابي من بين يديها في حي المثنى، في الساحل الأيسر لمدينة الموصل، مركز نينوى، شمالي العراق في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، أي بعد نحو خمسة شهور من استيلاء التنظيم على المدينة.
وروت "أم عثمان" (اسمها عواطف يوسف محمود)، لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، عن فقيدها الذي مازالت تبحث عنه حتى في دوائر الطب العدلي والمقابر والسجون، دون جدوى، قائلة: ذهبت مع ابني وزوجته وطفلهما، وزوج ابنتي، لإيصال زوجته إلى بيت أهلها، وبعدما أوصلناها، كان طريقنا في شارع بحي المثنى، عندها صادفنا نقطة لما يسمى بـ"الأمنية" يقف فيها مجموعة من عناصر "داعش" لحاهم طويلة وغير معروفين لنا".
انزلوا ابني "عثمان لقمان رمضان زبير"، وهو من مواليد 1993، وزوج ابنتي، من السيارة، وأخذوهما بتهمة "العمل مراقبين في الانتخابات"، ورموني مع حفيدي في الشارع على الأوساخ و"الطين"، في جو ماطر بشدة، توسلت إليهم أن يتركوهما وأنهما غير مذنبين ولم يفعلا شيئا لكن دون جدوى أو رحمة من هؤلاء المجرمين.
وتضيف "أم عثمان" عدت إلى البيت واخبرت زوجي وتوجهنا إلى مكان الاعتقال، لكن هذه المرة رفع "الدواعش" السلاح علينا وهددني بالقتل ورمي جثتي بالنفايات لو لم أتحرك من مكاني، لنعد أدراجنا بلا أرواح على فقداننا ابننا وزوج ابنتنا، وهو من مواليد 1992، وهما أبناء عم.
وتخبرنا "أم عثمان" بأن ابنها وابن عمه "زوج ابنتها" شاركا في المراقبة على الانتخابات، مقابل مبلغ قدره 50 ألف دينار عراقي لم يحصلوا عليه حتى لأن "داعش" كان قد سيطر على المدينة في منتصف عام 2014، ولم يتسنى لهم التمتع بهذا المبلغ الصغير.
إلى يومنا هذا منذ 5 سنوات، لم تجد أم عثمان، ابنها، ولا زوج ابنتها، ولا تعرف أين مكانيهما أو ما حل بهما، وتشير إلى أنها وزوجها البالغ من العمر 46 سنة، وهو عاطل عن العمل، لم يتركا مكانا إلا وذهبا إليه لمعرفة ولو خبر عن ابنها وابن عمه، لكن دون فائدة.
من جهته، تحدث أبو عثمان، لـ"سبوتنيك"، أن "الدواعش" أخذوا ابني وزوج ابنتي، وسيارتي أيضاً، وحاليا أطفال ابني "صبي وبنت" يقطنون عندنا نحن نعيلهم كذلك ابنتي وطفلها، ويعانون من ظروف صحية سيئة جدا من الفقد والجوع والفقر.
ويكمل "أبو عثمان"، أن حفيدي، ابن ابني، يعاني من مرض "الربو" وحالته صعبة جدا وما يبقيه على قيد الحياة هي "البخاخات"، وكذلك أخته مريضة أيضا، وكلاهما لا يمتلكان هويات أحوال مدنية، لأنهما كانا صغيرين عندما استولى "داعش" على المدينة، وتوقف العمل بدوائر الأحوال والجنسية، وأمهما تركتهما وذهبت لتعيش حياتها مع أهلها.
ويؤكد "أبو عثمان"، "أنه عندما كان الأشخاص الذين يعتقلهم "داعش" ويطلق سراحهم، كنا نذهب لنسألهم عن ابننا وزوج ابنتنا، ونريهم صورهم..ويجيبون علينا:نعم رأيناهم في السجن، لكن بعد التحرير، هناك من يقول إن الجيش العراقي حررهم، وهناك من يقولون إن "داعش" قتلهم، لكن لم نجدهم، أو جثثهم، ولا نعرف مصيرهم، ولم نحصل على رد أو نتيجة عنهما أو عن مصيرهما، رغم بحثنا المستمر إلى الآن.
وطلبت الزوجة لقاء عناصر وقادة "داعش" المعتقلين لدى جهاز مكافحة الإرهاب، لأسألهم عن مكان زوجي ومصيره وأين هو؟.. واحدة من خيارات أقدمت على تنفيذها امرأة من منطقة "حي الأندلس" في الموصل، في بحثها المستمر عن شريك حياتها المفقود بعد اعتقاله على يد "الدواعش" في 30 يناير/كانون الثاني عام 2017، وهي السنة التي أعلن العراق فيها التحرر بالكامل من سطوة التنظيم الإرهابي.
وتقول الزوجة، وهي من مواليد 1980، وزوجها أيضا بنفس مواليدها، لمراسلتنا:
إن كل المفقودين الذين أخذهم "داعش"، لا نعرف مصيرهم، هل تم قتلهم، أو اعتقالهم من قبل جهات أخرى، لا أحد يعرف، وعندما نسأل الجهات المعنية يجيبون علينا بعبارة: "ليس لدينا أي أحد من المعتقلين الذين كانوا لدى "داعش"، إذن أين ذهبوا؟.
وأوضحت الزوجة، أن زوجها منتسب في الشرطة، ولكن تنظيم "داعش" الإرهابي، اعتقله بتهمة "بيع السجائر" وهذه تهمة باطلة وملفقة، لأنهم يعرفون بأنهم شرطيا، كما تعرفين أن الدواعش كانوا يلاحقون المنتسبين في الأجهزة الأمنية في الموصل.
ولفتت الزوجة، إلى أنها لم تترك مكانا إلا وذهبت إليه للبحث عن زوجها، الذي اقتاده عناصر "داعش" من داخل المنزل، كاشفة عن استغلال كبير من قبل بعض الشخصيات السياسية التي لم تسمها، للناس الذين لهم مفقودين، بوعود كاذبة استخدموها في الانتخابات كي يجمعوا المزيد من الأصوات مقابل جملة "المفقودين لدينا وتوصلنا لهم وسنجد الحل لكم" وبعد الانتخابات يتبخرون.
وتابعت، حتى أن هناك أشخاص سماسرة منتسبين في الأجهزة الأمنية، والجهات الحكومية، والسجون، يساوموننا، ويساومون ذوي المفقودين على دفع مبالغ طائلة مقابل البحث عن فقيدهم في المعتقلات، حتى أن من بينهم من يؤكد للأهالي أنه وجد المفقود في إحدى السجون..ولكن ذلك كله كذب واستغلال لنا.
وتستفهم الزوجة، "نحن أهالي المفقودين ماذا نعمل؟، حتى أنني طالبت بلقاء "الدواعش" في سجون مكافحة الإرهاب، لأسألهم عن مصير ومكان زوجي، وأين ذهبوا به؟ لكن الرد كان يأتيني من الجهات المعنية ويقولون: أقطعي الأمل لأن "داعش" قتل كل المعتقلين".
وحسبما ألمحت الزوجة، إلى أن أخر ما توصلت إليه، هو رد رسمي من جهات حكومية، غير متأكدة من صحته أو محاولة لجعلها تنسى الموضوع وتتخلى عن البحث، هو أن كل المفقودين، معتقلين حاليا لدى القوات الأمريكية.
مفقودتان وعقب خبر لموقعنا عن تحرير فتيات عراقيات مختطفات من قبضة "داعش" الإرهابي، في سوريا، وهن من المكون الأيزيدي، كان الدواعش قد اقتادهم سبايا وجاريات للاستعباد الجنسي منذ أغسطس/آب 2014، تقدم شاب من ناحية القيارة في جنوب الموصل، بمناشدة إلى "سبوتنيك" لمعرفة فيما إذا كانت قريباته من بين المحررات.
وأخبر الشاب، ويدعى فرحان، مراسلتنا، بأن قريباته هن من المكون العربي لم يكن يعلم أن المحررات هن من الايزيديات، ليكشف لنا عن قصة المفقودات من عائلته وهما امرأتين أحدهما ابنة عمه، والثانية ابنة عمته.
وبين فرحان، أن المرأتين وهما "ابتسام محمود فرج لجي"، و"منال سلطان مطر خلف" وهما من قرية الحود فوقاني التابعة لناحية القيارة جنوبي الموصل، مركز نينوى، اعتقلهما تنظيم "داعش" الإرهابي من داخل منزلهما في القرية، بتاريخ الأول من أغسطس 2016، بتهمة إيصال المعلومات للقوات الأمنية، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم لم نعرف شيئا عنهن أبدا.
وقال فرحان، إن "ابتسام" من مواليد 1984، وهي أم لأربعة أطفال، تم قتل زوجها "محمود عبد الله فرمان الوكاع" والذي كان منتسبا في الشرطة العراقية، مع أخويته "ميسر وحمادي" على يد تنظيم "داعش" الإرهابي.
وتوزع أطفالها في عيشهم اليتيم ما بين بيوت عمومتهم وأخوالهم، متنقلين بعد مقتل أبيهم، وفقدان أمهم التي قتل زوجها على يد "داعشي" يدعى "حسين الكراش" بأمر من قبل ما يسمى "القاضي الشرعي" للتنظيم، المدعو "ساالم خلف صالح" والملقب بـ"أبو رقية"، ووالي ما يسمى أيضا بـ"ولاية دجلة" الداعشي، حسن خليل سعود المكنى بـ"أبو طالوت" من قرية الزاوية جنوبي الموصل، حسبما روى فرحان.
واختتم فرحان، ذاكرا أن تاريخ ميلاد قريبته "منال" سنة 1983، وهي مع ابتسام مفقودان إلى اللحظة ولا أثر لهما رغم البحث المستمر لذويهن.
الجدير بالذكر، أن تنظيم "داعش" الإرهابي أعتقل الكثير من أبناء ونساء المحافظات العراقية التي استولى عليها للسنوات منذ 2014، إلى الخلاص منه بإعلان القضاء عليه عام 2017، بتهم كيدية مختلفة ما بين التعاون ضده مع القوات الأمنية ومدها بالمعلومات والإحداثيات، وممارسة ما يمنعه من تدخين وبيع للسكائر وحتى ارتداء الملابس المخالفة لما حددها في خلافته المزعومة القائمة على الذبح.
وفي أواخر العام الماضي، نظمت المئات من عائلات المفقودين في الموصل، التي تعتبر ثاني أكبر مدن العراق سكانا بعد العاصمة بغداد، وقفة احتجاج ومناشدة مليئة بالدموع والأسى على فلذات أكبادهم الذين اختطفهم "داعش" دون عودة أو مصير ينعش أو يقطع الأمل عن انتظارهم الذي طال لسنوات.
وأعلن العراق، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، تحرير كامل أراضيه من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي. لكن التنظيم يكرر بين وقت وآخر استهداف المناطق التي فقد السيطرة عليها، إلا أن القوات الأمنية تقوم بإحباط غالبية تلك العمليات وإيقاع خسائر بين عناصر التنظيم. المصدر: سبوتنيك