بعدما هدد الرئيس الامريكي دونالد ترامب بـ"تدمير" الاقتصاد التركي في حال هاجمت أنقرة القوات الكردية في سوريا، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده مستعدة لإقامة ما يسمى "منطقة آمنة" في شمال سوريا، وإذا افترضنا إقامة "منطقة آمنة" شمال سوريا وفق خطة أنقرة وواشنطن، فمن ستكون الجهة المستفيدة؟ وما هو موقف كل من دمشق وموسكو إزاء تلك المنطقة المزعومة؟
تركيا هددت مراراً خلال الأشهر الماضية بشن هجوم ضد المقاتلين الأكراد في شمالي سوريا. وفاقم إعلان ترامب المفاجئ الشهر الماضي بسحب قواته من سوريا خشية الأكراد من أن يمهد ذلك لهجوم تركي واسع.
وكانت واشنطن اكدت ضرورة حماية "وحدات حماية الشعب" الكردية، لمشاركتها "الفعالة" في قتال تنظيم "داعش"، في حين تعتبرها أنقرة مجموعة "إرهابية" على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً ضدها على أراضيها منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
وشابت العلاقات بين أنقرة وواشنطن توترا خاطفا، بعدما توعد ترامب الاسبوع الماضي بـ"تدمير تركيا اقتصاديا" في حال شنت هجوما على المقاتلين الأكراد الذين يسيطرون على منبج ومناطق أخرى في سوريا، بعد الانسحاب الأمريكي المرتقب.
الا ان ترامب تراجع بسرعة عن تصريحاته وقال في تغريدة على موقع "تويتر"، "تحدثت مع الرئيس أردوغان لتقديم المشورة بشأن موقفنا فيما يتعلق بجميع المسائل، بما في ذلك، النجاحات التي تحققت في آخر أسبوعين في محاربة ما تبقى من تنظيم "داعش" الإرهابي وإقامة منطقة آمنة مساحتها 20 ميلا" في سوريا.
بدوره أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن أنقرة مستعدة لإقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا، اقترحها نظيره الأميركي دونالد ترامب، غداة مكالمة هاتفية بينهما في محاولة للتخفيف من حدة التوتر الناجم عن تهديد ترامب بـ"تدمير" الاقتصاد التركي.
وقال الرئيس التركي، في كلمة ألقاها اليوم الثلاثاء في البرلمان أمام كتلة "حزب العدالة والتنمية" الحاكم، إن ترامب تحدث أثناء المكالمة التي جرت أمس عن إنشاء "منطقة آمنة" في الشمال السوري من قبل تركيا، وأكد له انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة.
واوضح أردوغان في كلمته أنه طلب من ترامب تقديم دعم لوجستي لبلاده كي تقضي على تنظيم "داعش". وتابع الرئيس التركي أنه أبلغ نظيره الأمريكي استعداد تركيا لتولي مهام حفظ الأمن في مدينة منبج السورية فورا.
وذكر الرئيس التركي أنه ونظيره الأمريكي توصلا إلى تفاهم وصفه بـ"التاريخي" بشأن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، مدعيا انه "يمكننا إنشاء المنطقة الآمنة التي تهدف إلى توفير الأمن للسوريين، في حال تلقينا الدعم المالي"، حسب قوله.
ولفت أردوغان إلى ضرورة أن تقام المنطقة الآمنة بالتشاور مع جميع الأطراف المؤثرة، بما فيها الدول الضامنة في مفاوضات أستانا (تركيا وروسيا وإيران)، مشددا على رفضه مشاركة "وحدات حماية الشعب" الكردية في العملية.
وشدد الرئيس التركي على أن بلاده لن تسمح أبدا بوجود عناصر تنظيم "داعش" و"وحدات حماية الشعب" الكردية (التي تعتبرها أنقرة تنظيما إرهابيا) قرب حدودها، مهددا بالقول: "سنرمي بهم إلى حفرهم".
وعلى الرغم من أن ترامب لم يوضح من سيتولى الإشراف على المنطقة الآمنة شمالي سوريا، أكد مدير ما يسمى المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن "الكلمة فيها ستكون في نهاية المطاف لتركيا".
وقال عبد الرحمن في تصريح اعلامي، إن المنطقة الآمنة التي ستكون بعمق 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية، "هي مطلب تركي بالأساس"، لإبعاد القوات الكردية عن الحدود.
وأوضح أن مفهوم "المنطقة الآمنة يعني أن تكون آمنة من المقاتلين الأكراد"، الذين يتمركزون حاليا في معسكرات وثكنات على مسافة قريبة جدا من الحدود مع تركيا.
وأشار إلى أن المنطقة الآمنة ستمتد من ريف منبج في حلب وصولا إلى الحدود السورية العراقية، تحت مسمى "منطقة حكم ذاتي"، يديرها المجلس الوطني الكردي في سوريا، "على أن تكون تحت أعين الأتراك".
وقال عبد الرحمن إن "الولايات المتحدة تسعى إلى تسليم كامل منطقة شرق الفرات، وتركها لمصيرها الذي رسمته ولا تزال ترسمه مع تركيا، عبر دفع تركيا لفرض إشرافها الكامل على هذه المنطقة".
ووصف مدير المرصد ما تقدمه واشنطن للأكراد من وعود بالحماية بأنها "حيلة"، لتأخير أية اتفاقات بين "قوات سوريا الديمقراطية" من جهة، ودمشق وموسكو من جهة ثانية.
وأوضح أن هدف الولايات المتحدة من هذا التأخير، هو الاتفاق إلى إفساح المجال أمام تركيا للدخول بكل سهولة إلى شمالي سوريا عند انسحابها من قواعدها العسكرية في منبج وشرق الفرات.
الى ذلك أعلن الأكراد في سوريا، رفضهم لإقامة "منطقة آمنة" تحت سيطرة تركية في شمال البلاد على الحدود بين البلدين، بموجب مبادرة اقترحتها واشنطن بموافقة أنقرة.
وقال القيادي الكردي البارز في سوريا ألدار خلي، الاربعاء الماضي، إنه "يمكن رسم خط فاصل بين تركيا وشمال سوريا عبر استقدام قوات تابعة للأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلام أو الضغط على تركيا لعدم مهاجمة مناطقنا".
وأضاف "أما الخيارات الأخرى فلا يمكن قبولها لأنها تمس سيادة سوريا وسيادة إدارتنا الذاتية"، حسب وصفه، معتبراً أن "تركيا ليست مستقلة وليست حيادية، وهذا يعني أنها طرف ضمن هذا الصراع".
وترفض الدولة السورية باي شكل من الاشكال انشاء "منطقة امنة تركية" في اراضيها وتعتبره انتهاكا صارخا لاراضيها واحتلالا تركيا. وكذلك تعارض روسيا فكرة المناطق الامنة في شمال سوريا.
ووصفت دمشق تصريحات أردوغان حول استعداد بلاده لإقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا بأنها "غير مسؤولة". ونقلت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" عن مصدر في وزارة الخارجية قوله إن تصريحات أردوغان "تؤكد مرة جديدة أن هذا النظام راعي الإرهابيين (...) لا يتعامل إلا بلغة الاحتلال والعدوان"، وفقا للمصدر.
بدوره أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في لقاء صحفي ضرورة بقاء المناطق التي ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب منها تحت سيطرة الحكومة السورية.
وقال لافروف: عند انسحاب القوات الأمريكية من سوريا يجب أن تخضع الاسلحة والمناطق والمنشآت العسكرية لسيطرة الحكومة السورية. وشدد على أن المناطق التي يتواجد فيها الكرد يجب أن تتحقق فيها جميع الشروط اللازمة. وأضاف بأنه يدعم العلاقات بين الحكومة السورية والكرد.
وكشفت وكالة "الأناضول" التركية خلال مسح أجرته على الشمال السوري أسماء المناطق التي ستشملها المنطقة الآمنة، التي أعلنت تركيا أنها ستتولى إنشاءها على الحدود السورية.
وقالت الوكالة في تقريرها، إن المنطقة ستمتد على طول 460 كيلومتراُ، على طول الحدود التركية- السورية، وبعمق 20 ميلا، كما ستضم مدنا وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة.
وبحسب الوكالة فإن أبرز المناطق المشمولة في المنطقة الآمنة، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرّين شرقي حلب، وعين عيسى في محافظة الرقة. كما تضم المنطقة الآمنة مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية في محافظة الحسكة.
وكذلك ستضم المنطقة كلاً من عين العرب في محافظة حلب، وتل أبيض في الرقة.
وتعد "وحدات حماية الشعب" الكردية المنضوية في "قوات سوريا الديمقراطية"، ثاني قوى عسكرية مسيطرة على الأرض في سوريا بعد القوات الحكومية، حيث تسيطر على نحو 30 في المئة من مساحة البلاد، تتضمن حقول غاز ونفط مهمة. المصدر: وكالة الأناضول