عطوان: سيناريو استخدام الكيماوي في إدلب بات جاهزاً.. والجميع يكتم أنفاسه تحسباً للمواجهة..
نحن الآن في مرحلة الانتظار.. الجميع يلتقط أنفاسه تحسباً لبدء الحرب في إدلب.. لا أحد يعرف بالضبط التوقيت.. كل ما هو معروف أن كل المؤشرات توحي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عاقد العزم على شن هجوم يجري التحضير له بسرية مطلقة، حسب نائب وزير خارجيته أوليغ سيرومولوتوف، للقضاء على "الإرهابيين" في المدينة وريفها وإعادتها إلى السيادة السورية، ويرى أن الاقتراح التركي بوقف إطلاق النار يخدم هؤلاء (الإرهابيين) ويوفر الحماية لهم، وكل المسلحين إرهابيين في نظر الرئيس بوتين حيث قالها بكل وضوح في المؤتمر الصحافي الذي عقده في ختام القمة الثلاثية في طهران، الحكومة السورية لها الحق في السيطرة على كل أنحاء سوريا بما في ذلك إدلب، ولا تراجع مطلقاً عن كل الإجراءات لتحقيق هذا الهدف.
الموقف التركي في المقابل الذي عبر عنه الرئيس رجب طيب أردوغان في القمة نفسها، وفي تغريدات أطلقها على حسابه على "التويتر" لاحقاً، يتلخص في رفض أي عملية عسكرية شاملة، وفرض الأمر الواقع في إدلب بحجة الحرب على الإرهاب، ولإنهاء المعارضة السورية كليا، ومنطقة إدلب يمكن إدارتها مستقبلاً بواسطة المعارضة المعتدلة، وتركيا مستعدة للعب دور لتوفير الحماية لقاعدة حميميم الروسية الجوية قرب اللاذقية، وهذا الموقف التركي إما أن يكون من قبيل تبادل الأدوار، ويظهر ما لا يبطن، أو بداية صدام، وربما قطيعة مع الحليف الروسي، والعودة إلى المعسكر الأميركي، ولا شيء مستبعداً في السياسة.
*** صحيفة "وول ستريت جورنال" اليمينية، التي توصف بأنها مقربة من الإدارة الأميركية الحالية نقلت عن مسؤولين كبار قولهم إن الرئيس دونالد ترامب "ينظر فيما إذا كانت القوات الأميركية ستضرب نظيراتها الروسية والإيرانية في سوريا"، وأكدت نقلاً عن هؤلاء المسؤولين قولهم "إن الرئيس الأسد وافق على استخدام غاز الكلور في الهجوم على إدلب مما قد يدفع القوات الأميركية على الرد"، وكشفت الصحيفة نفسها "أن وزارة الدفاع الأميركية وضعت "سيناريو" التدخل العسكري وفي انتظار أمر الرئيس بالتنفيذ.
صحيفة "بيلد" الألمانية كررت النغمة نفسها، وقالت نقلاً عن وزيرة الدفاع أرزولا فون دير لاين إن الولايات المتحدة طلبت من ألمانيا المشاركة في عمليات عسكرية انتقامية ضد نظام الأسد في حال استخدام أسلحة كيماوية.
السيناريو المرجح أن يبدأ الثلاثي الروسي الإيراني السوري هجومه لاستعادة إدلب، وأن نرى أصحاب "الخوذ البيضاء" يسعفون أطفالاً وقد بدا عليهم الإعياء، وضيق التنفس من جراء استخدام "النظام" أسلحة كيماوية، ويبدأ العدوان الرباعي الأميركي الفرنسي البريطاني في التدخل عسكريا وقصف القوات المهاجمة، تماماً مثلما حصل في دوما في الغوطة الشرقية، وقبلها جسر الشغور.
فعندما تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن المسؤولين الأميركيين متأكدين بأن الرئيس الأسد أصدر أوامره لقواته باستخدام أسلحة كيماوية (غاز الكلور) فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تأكد هؤلاء من هذه المعلومة، هل كانوا يشاركون في الاجتماع الذي جرى اتخاذ هذا القرار فيه؟
الموقف التركي من المعركة الوشيكة في إدلب يتسم بالغموض ويستحق المراقبة والاهتمام لأنه ربما يلعب دوراً رئيسيا في تطوراتها، والانعكاس سلباً أو إيجاباً على مجرياتها والتحالف الروسي التركي الاستراتيجي الذي تعزز في العامين الماضيين.
ما يمكن قراءته واستخلاصه من بين سطور تصريحات مسؤولين أتراك، ومن بينهم الرئيس أردوغان نفسه، أن تركيا تستعد فعلاً للحرب، ولكنها لم تكشف مطلقاً عن نوايا جدية لقيادتها العسكرية باستخدام القوة ضد أي هجوم سوري روسي إيراني رغم إرسالها دبابات إلى إدلب، ونستند في هذا الاستنتاج إلى تهديدات السيد بولنت يلدريم رئيس هيئة الإغاثة التركية للاتحاد الأوروبي بفتح أبواب الهجرة أمام أكثر من مليون لاجئ سوري يريدون العبور إلى أوروبا في حال لم تتدخل في وقف الهجوم الروسي على إدلب، وهذا يعني أن إغلاق تركيا لحدودها في وجه أهالي إدلب، والمقاتلين فيها، غير ممكن، لأن مئات الآلاف سيتدفقون إليها، ومحاولة منعهم بإطلاق النار عليهم سيؤدي إلى مجزرة موازية قد تكون أكبر من مجزرة قصف المدينة من قبل الطائرات الروسية والسورية.
النقطة الأخرى التي تجعلنا شبه متأكدين بأن الرئيس أردوغان قد لا يتدخل عسكريا ضد الهجوم الثلاثي الروسي السوري الإيراني على إدلب، الفقرة التي وردت في البيان المشترك الصادر عن قمة طهران، وأكدت أن الزعماء الثلاثة، ملتزمون باستمرار التعاون من أجل القضاء التام على المنظمات الإرهابية مع التأكيد على فصلها عن المعارضة السورية المسلحة المعتدلة"، فالرئيس أردوغان وافق على هذه الفقرة، ولم يتحفظ عليها.
وما يرجح ما سبق أن حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي وقف مع الرئيس أردوغان ضد الانقلاب العسكري، والخلاف مع أميركا، وضع "خريطة طريق" لحل الأزمة في إدلب عنوانها الأبرز إعادة بناء جسور التواصل مع الرئيس الأسد، وإنهاء وجود المنظمات الإرهابية، ونزع سلاح جميع الجماعات المسلحة، وإعادة العمل باتفاقية أضنة عام 1998 بين الدولتين الجارين، أي سوريا وتركيا، وهذه الخريطة تعكس وجهة نظر نصف الشعب التركي على الأقل، إن لم يكن أكثر.
*** لا نعرف ما إذا كان الرئيس أردوغان سيأخذ بهذه الخريطة وما تضمنته من بنود ونصائح، لأنه استبعد بعد عودته من قمة طهران خوض أي مفاوضات مع الحكومة السورية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً عليه وبلاده، في ظل الدعم الكامل لشريكيه الروسي والإيراني للهجوم على إدلب، والتمسك بعودة السيادة السورية الكاملة عليها.
ندرك جيداً أن معظم التهديدات الأميركية الروسية المتبادلة تصب في إطار الحرب النفسية وربما الدفع باتجاه التفاوض لمنع المواجهات العسكرية، وهذا أمر غير مستبعد، ولكن ما ندركه أيضاً أن الرئيس بوتين مصمم على خوض معركة إدلب للحفاظ على إنجازاته في سوريا، وتنفيذ خطته للقضاء على الجماعات المصنفة على قائمة الإرهاب التي تهدد جمهورياته الإسلامية، وتضم مقاتلين شرسين منها ومن عرقية الإيغور التركية الصينية، لأنها تهدد قواعده في سوريا، واستقرار روسيا الداخلي، ويجد الدعم المطلق من الصين، ويريد أيضاً توجيه رسالة إلى حلفائه في الشرق الأوسط والعالم أنه لا يخذل حلفاءه مهما كان الثمن.
إننا أمام أيام صعبة حافلة بالمفاجآت، واندلاع مواجهة أميركية روسية قد تقود إلى حرب عالمية مصغرة أو مكبرة، وأي عدوان رباعي بقيادة أميركا على أهداف سورية وإيرانية سيواجه بالرد حتماً، فهذه هي أم المعارك وأكبرها وآخرها في حال اشتعال فتيلها.. والأيام بيننا. المصدر: رأي اليوم