هل يستغل الأميركيان عملية "غصن الزيتون" لإطلاق "داعش" مجددا؟
لم يكن بريئاً التصريح الأميركي الأخير، والذي نبه الأميركان فيه الأتراك بأن مواجهتم للاكراد شمال سوريا وبالتحديد في عفرين، سوف يؤثر سلبا على قتال داعش.
وفي اللحظة الحرجة والحساسة التي بدأ يدخل فيها الاتراك في مستنقع معقد في عملية “غصن الزيتون” في الشمال السوري، والتي كانوا ينتظرون فيها حبل نجاة من حليفهم “المفترض” في الناتو وفي محاربة الارهاب، جاء التصريح الأميركي ليصب الزيت على نار العجز التركي حتى الأن، وليوجه لاردوغان تهديدا مبطنا بتخفيض مستوى العنف فورا، وإيقاف عملية عفرين، والتباحث بمشروع منطقة آمنة بعرض 30 كيلومترا، لأن “غصن الزيتون تعرقل قتال داعش”، فما الذي يقصده الأميركيون بهذه العبارة وإلامَ يخططون؟
بداية، لماذا تأخر التصريح الأميركي المذكور أعلاه لما بعد بدء العملية بعدة ايام؟ ولماذا لم يتم التطرق لمعادلة تأثيرها السلبي على قتال داعش بدلا من التصريح الشهير لقائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، والذي قال فيه إن عفرين خارج اهتمام وأهداف ومسؤولية التحالف؟
في الحقيقة، وفي متابعة لمسار الأحداث المتعلقة بعملية العدوان التركي على الشمال السوري، وللاشتباك الدبلوماسي العالي النبرة – مبدئيا – بين المسؤولين في واشنطن وفي أنقرة، من المفيد الاضاءة على ما يجري في الشرق السوري، ومحاولة ربطه بتحذير الأميركيين حول عرقلة محاربة داعش، وذلك على الشكل التالي:
1- ما زال داعش حتى الآن يسيطر على ميدان ليس سهلا في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي وامتدادا الى الحدود العراقية، وحيث يجمعه مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الاميركي خط مواجهة لا يقل عن المئة كيلومتر، لا يبدو أن هناك عمليات عسكرية على هذا الخط تدل او تؤشر إلى أي نوع من الاشتباكات بين الطرفين، وكأن انتشار التنظيم في تلك البقعة هو أمر مُسَلّم به أميركياً، حتى الآن.
2- بعد الجدية الأميركية التي أخذت طابع التهديد، والتي ظهرت في تحذير أية قوة عسكرية، ضمنا الوحدات الروسية، بتجاوز شرق الفرات في الأماكن التي ما زال ينتشر فيها داعش، والتي ترافقت مع جمود وانكفاء القوات العراقية والحشد الشعبي عن متابعة ملاحقة التنظيم الارهابي غرب الحدود السورية – العراقية المشتركة، كما كانت قد صرَّحت سابقا حيث كانت مستعدة لذلك، يبدو أيضا ان هناك ميدانا ما زال مسجلا باسم التنظيم الارهابي، وبرعاية وبحماية أميركية.
3- بعد الحملة الواسعة التي قادتها روسيا ومعها طبعا الدولة السورية وأغلب الحلفاء في محور المقاومة، والتي صوّبت فيها على عدم مشروعية بقاء الوحدات العسكرية الاميركية في سوريا، كتواجد مخالف للقانون الدولي حيث لم تتدخل تلك الوحدات تطبيقا لقرار من مجلس الأمن، وحيث لم تحصل على موافقة الدولة السورية، لم تجد الولايات المتحدة تبريراً إلا البقاء لمحاربة داعش او لمنع عودته مجددا، خاصة وانها كانت قد بنت مشروعية تواجدها في سوريا تحت عنوان “التحالف الدولي” لمحاربة الارهاب.
4 – أليس المقصود من العرض الاميركي الآن على الاتراك في طرح منطقة آمنة داخل الشمال السوري وعلى الحدود مع تركيا بعرض 30 كلم، هو إيجاد مناورة خبيثة لإبعاد الدولة السورية عن تلك المنطقة في عفرين وربما في منبج ايضاً، وذلك بعد أن أصبح دخولها أمرا واقعاً، يطلبه الاكراد لحمايتهم من تركيا، واقتنع به الأتراك مرغمين كمخرج لفشلهم في العملية حتى الآن؟
وهكذا، نستطيع أن نربط بين الوقائع التالية كما يلي: – لقد جاء تحذير الولايات المتحدة للاتراك بأن معركة عفرين تعيق قتال التنظيم، بحجة ان قوات سوريا الديمقراطية سوف تنقل الكثير من جهودها في الشرق السوري الى شمالها لدعم معركة وحدات حماية الشعب الكردي في الدفاع عن عفرين، ليغطي تلكؤ كل من التحالف و”قسد” في متابعة قتال داعش في الشرق السوري، وبالتالي لتبرير تواجدها غير الشرعي في سوريا تثبيتا لاحتلالها إلى أجل غير مسمى.
– الطرح الأميركي على تركيا – بديلا من غصن الزيتون – منطقة آمنة في شمال سوريا طالما عارضوها دائما، جاء بمثابة محاولة اميركية لتأخير تمدد الدولة السورية ومنعها من تحرير ما تبقى من الجغرافيا السورية، خاصة في الشمال السوري حيث النفوذ الاميركي غير فعال ومقيّد بالنفوذ الروسي.
فهل تكون عملية “غصن الزيتون”، والتي يبدو أن نهايتها عادت الى صلاحية الأميركيين بعد أن كانت في بدايتها خارج اهتمامهم، مناورة أميركية – تركية مشتركة بالتكافل والتواطؤ، اولاً: لتنفيس الاندفاعة الميدانية للجيش العربي السوري في ادلب الكبرى، بعد تحريره مطار ابو الضهور وأكثر من مئة بلدة في ريفي ادلب الجنوبي الشرقي وحلب الجنوبي الغربي؟ وثانياً: لتعطيل مؤتمر الحوار السوري- السوري في سوتشي، والذي يبدو أنه سيكشف أوراق اللاعبين الذين طالما منعوا أطراف ومكونات الشعب السوري من التواصل المباشر، الصريح، الصادق، المنتج والمسؤول! المصدر: العهد