في تسجيل صوتي بث مساء الثلاثاء الماضي، وجه القائد العام الفعلي لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) أبو محمد الجولاني كلمة الى أنصاره والى مختلف الفصائل المسلحة في سوريا، منتقدا مسار “أستانا” الذي اعتبر أنه قد أصبغ شرعية على ما أسماه “المحتل الروسي” كأنه “جزء من الحل وضامن له”، موضحا أن جميع الفصائل العسكرية التي وقعت على اتفاقات أستانا “ارتضت تقسيم الشمال السوري إلى مناطق نفوذ روسية وأخرى تركية”.
واتهم الجولاني تلك الفصائل بأنها قبلت بالتخلي عن مناطق المعارضة شرق سكة حديد أبو الظهور بريف إدلب، وقال إن تلك الفصائل حاولت أيضا الضغط على هيئة تحرير الشام من أجل دفعها للانسحاب من تلك المنطقة.
وقال الجولاني إن “النظام كان يعول على صدامنا مع الأتراك عندما دخلوا إدلب وريف حلب، وعندما فشل هو وإيران عمل على السماح لـ”داعش” في الدخول إلى ريفي حماة وإدلب الشرقيين، حيث تخوض ضده قواتنا الآن مواجهات عنيفة”.
وفيما يتعلق بالعلاقات بين الفصائل أنفسها، عرض الجولاني على ما يسمى فصائل المعارضة “المصالحة الشاملة” داعياً اياها إلى “رص الصفوف” للتصدي للهجوم الواسع الذي تشنه قوات النظام على محافظة إدلب في شمال غرب البلاد”.
وأضاف “إننا مستعدون للتصالح مع الجميع وفتح صفحة جديدة عبر مصالحة شاملة”، داعيا إلى “أن ننشغل في أعدائنا أكثر من انشغالنا في أنفسنا وخلافاتنا” لأن هذه “مرحلة حرجة في تاريخ الثورة السورية التي تقترب من دخول عامها السابع”.
وحول هذه الكلمة وما احتوت عليه يمكن تسجيل الملاحظات التالية: 1- لقد جاء التسجيل صوتيا، ومع أن الجولاني كان يحرص على عدم اظهار وجهه في البداية، ولكن ومنذ أن اعلن عن حل جبهة النصرة واستبدالها بما سمي انذاك “جبهة فتح الشام” فقد ظهر بفيديو علني، كما ظهر بعدة صور اخرى، ما يطرح سؤالا عن سبب الاقتصار على كلمة صوتية رغم حساسية الوضع الميداني للجماعات المسلحة في سوريا. ويمكن ربط عدم الظهور بالصوت والصورة الى ما كانت روسيا قد اعلنت في شهر تشرين الاول الماضي عن اصابته بجروح خطيرة ادخلته في غيبوبة في غارة جوية. ورغم أن الجبهة نفت ذلك الا أنها لم تنشر أي دليل يمكن أن “يكذّب” الرواية الروسية.
2- لقد جاء التسجيل بعد سلسة الهزائم الكبرى التي ألحقها الجيش السوري والحلفاء بجبهة النصرة على مختلف الجبهات الممتدة من فشل هجوم الجبهة على مدينة الحضر، وصولا الى هزائم ارياف حلب وادلب وحماة.
3- إن الجولاني، وكعادته، يسعى لرمي الهزائم التي يلحقها بهم الجيش السوري على الآخرين. على أن رمي المسؤولية على الفصائل الاخرى ليس جديدا على الجولاني. فقد اطلق اتهاماته بعد هزيمة حلب، كما فعل ذلك بعد هزائم ريف حماة الشمالي.
4- عادة ما يقوم الجولاني بعد كل هزيمة ورمي المسؤولية على الاخرين بالانقضاض على الفصائل والسعي للسيطرة عليها ودمجها في تنظيمه. على أن دعواته لرص الصفوف والمصالحة الشاملة غالبا ما يقصد منها دعوة الفصائل للاندماج معه وتحت لوائه.
5- إن دعوة الفصائل للمصالحة، والظهور بمظهر المتسامح انما يدعو اليها من كان “مظلوما لا ظالماً”، وهو بهذه الدعوة يسعى للظهور بمظهر المظلوم والمتسامح، فيما تكاد جميع الفصائل تحمله مسؤولية التشرذم، بعد قيام “جبهة النصرة” بضرب اكثر من فصيل والسيطرة على مخازنهم.
6- إن كلام الجولاني عن تعويل الاخرين (اشارة للجيش السوري وحلفائه) على وقوع صدام بين جبهته وبين الاتراك، هو اعتراف واضح وصريح بالعلاقة التي تربط “جبهة النصرة” (المصنفة عالميا ارهابية) بتركيا. ومهما يكن من امر، فان كلمة الجولاني التي هي أشبه بالاستغاثة لن تنفعه، فلا هي ستنفعه بإنفاذ جبهته من ضربات الجيش السوري وحلفائه، ولا هي ستدفع بباقي الفصائل لإغاثته والدفاع عنه بعد أن لم يسلم أحد من غدره، ولم يُبقِ له صديقا من فصيل. وحتى الحليف التركي فسيبيعه عندما يحضر سوق البيع والشراء، وعندها لن يكون ثمنه اكثر من دراهم معدودة. المصدر: العالم