في آب/أغسطس من العام 2012، اختفى المذيعالسوري محمد السعيد في عملية خطفٍ نُسبت آنذاك لأفراد من جبهة النصرة أرادوا الانتقام من المذيع لمواقفه الموالية للنظام. خلال أسبوعين، لم تصل سوى صورة واحدةٍ للرجل جالساً في مكان مجهول، وعلامات الرعب على وجهه. ثم أشيع خبر إعدامه. كان محمد السعيد معروفاً لمتابعي الأخبار على الفضائية السورية، لكن عدداً أكبر بكثير من الناس ألفوا صوته في برامج (وثائقية غالباً) مدبلجة في عدد من القنوات. أما شهرة «صوته» الحقيقية فقد وصلت لذروتها من خلال مقدمة كل حلقة من المسلسل السوري «ضيعة ضايعة»، الذي نال من الشعبية والشهرة ما لم يسبقه إليها عملٌ درامي سوري في طفرة الدراما السورية خلال العقدين الأخيرين.
دخلت أسماء وألقاب وحركات و«إفيهات» شخصيات ذلك المسلسل، وبيئته المكانية الجميلة، قلوب معظم متابعيه، وهي ما تزال إلى اليوم حاضرةً على صفحات «فايسبوك» «وتويتر». لكن في الأسبوع الماضي، احتلّت الصور القادمة منقرية «السمرا»، حيث تمّ تصوير «ضيعة ضايعة»، صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. فخلال المعارك المحتدمة في ريف اللاذقية الشمالي، في بلدة كسب وعلى الحدود مع تركيا، باتت السمرا في مهبّ رياح القتل والعنف والمعارك الدامية. كما أنها أصبحت مثار جدلٍ لا ينتهي بين طرفين صاحبَي خطابين متحاربَين دون هوادة. تيار يضمّ من يرون النصر الذي تقترب بشائره، في مواجهة آخرين يرون أن الجبهة الساخنة هي خط الدفاع الأول أمام انتهاكات الجيش التركي ووكلائه.
هكذا، بات المتابع، من أي طرفٍ أو اتجاه او اصطفاف، يرى صور أفراد مسلّحين في بيت «جودة» (أدى دوره باسم ياخور) أو المختار «البيسة» (أدى دوره زهير رمضان) في قراءات سياسيّة متباينة، تستعين بمفردات المسلسل: «تحرير بيت المختار»، «مو ضيعة ضايعة يا أردوغان، كسب وسكانها تارهم قديم معك»، وهكذا إلى ما لا نهاية من تغريدات وتعليقات.
أصبحت بيوت القرية خاوية، هي التي ضمّت ذات يوم خليطاً متنوعاً من فنانين أرادوا تقديم صورة عفوية وبسيطة عن مجتمع «أم الطنافس الفوقا»، البعيد عن سيطرة الآلة، وازدواجية العلاقات الاجتماعية. تلك البساطة جعلت ملايين المشاهدين يتعلقون بتلك الشخصيات التي رسمت البسمة يوماً على وجوه الجميع، من دون استثناء. أما اليوم، فالمشهد مغاير تماماً، لم تعد «السمرا /ضيعة ضايعة» مصدر الضحكة التي تجمع، وإنما أضحت شاهدةً، كمكانٍ، على عنف الجغرافيا وصراع النفوذ والسيطرة والتفرقة والدم. كل الصور التي يتم تبادلها عبر مواقع التواصل تؤرخ لموت الناجي الوحيد.