من أقصى شمال سوريا، قبل 720 يوماً، بدأت رواية قهر عنوانها سبعون ألف نسمة تحت الحصار. لا حاجة للبحث كثيراً عن أسباب الحصار فقد اتفق أطراف النزاع أن أجساد أهالي البلدتين “لبيسة” للتهم فمرة يتحجج المُحاصِرون أن الاهالي من المسلمين الشيعة وهذه المفردة توازي الكفر عند الجماعات التكفيرية ومرة هم من الموالين للنظام السوري أو حزب الله.
نبل والزهراء الوثائق المهربة:
الوثائق القادمة من البلدة “عن طريق تركيا ” ترسم وجوهاً مختلفة للمعاناة في هذه الرقعة المنسية. يقول هادي أحد السكان الذين استطاعوا التسلل خارج البلده انه “بعد سقوط حلب وسيطرة “الجيش الحر” على طريق غازي عنتاب تم فرض الحصار على بلدتي نبل والزهراء لاسباب طائفية”، مشيراً إلى أن“البداية كانت من رغيف الخبز، الى أن أصبحت كل السلع نادرة، ولم يعد من السهل أن تحصل على لقمة العيش لك ولأطفالك. لقد وثقنا حالات وفاة لاطفال بسبب نقص المواد الغذائية وقتها”.
يتابع هادي “بعد حوالي ثلاثة أشهر من الحصار تم فتح ممر من بلدة عفرين وبدأ تهريب الغذاء من عفرين الى نبل والزهراء عبر طريق ترابي، وقد خاطر الكثيرون بالذهاب لجلب الطعام حيث يعتبر الطريق خطراً على من يحمل هويتنا”.
حسب شهادات الاهالي لم يستمر الوضع طويلاً فقد عقد الاكراد تحالفاً مع الجيش الحر واُغلق الطريق مجددا ليصبح الحصار تاماً على البلدتين. حسنتالحكومة السورية علاقتها مع أكراد الشمال، وقد شكل هذا الامر جانباً إيجابياً انعكس على سكان بلدتي نبل والزهراء، وبعد اندلاع اشتباكات بين الجيش الحر والاكراد في حي الاشرفية عاد المعبر ليفتح امام من يجرؤ من أهالي نبل والزهراء فبات الطريق الوحيد لإدخال بعض المواد الغذائية من منطقة عفرين لكن بأسعار مرتفعة جداً، وكميات قليلة لا تلبي حاجات السكان هناك، لكن “الرمد أهون من العمى” حسب الاهالي.
ينفي هادي وجود مجاهدين من حزب الله اللبناني في البلدة لكنه لا يعتبر تأييده للحزب ونهجه تهمة تستوجب القتل حسب وصفه، مؤكداً انه تم تشكيل لجان شعبية مسلحة للدفاع عن البلدة في حال حاول المسلحون اقتحامها.
أم راغب بدورها تروي مأساتها لـ”العهد”، قائلة “ازداد الخناق أكثر وبدأنا ناكل الحشائش من الاراضي. أطفالنا ماتوا جوعاً، لفظ حفيدي أنفاسه أمامي. صارع الجوع شهراً وأياما لكن الموت تغلب على جسد عمره 11 شهراً”، تمسح دمعها وتبتسم “نحسبه شهيداً عند الله تيمناً بأمير الشهداء”.
ورغم أنّ العلم ليس أولوية في بيئة الحرب حسب الاهالي، الا أن اصرار الطلاب على اختلاف مراحل دراستهم على اكمال الدرب، جعل لهم نصيباً وافراً من المعاناة بدءاً بتلاميذ المدارس وصولاً إلى طلاب المعاهد والجامعات، لتأتي حادثة اسقاط مروحية قبل ستة أشهر ومقتل جميع من تقلهم من اساتذة فتطوي صفحات كتب كانت ستفتح.
خطف وموت قادم من السماء
مع اشتداد سعير الحرب يضيق الخناق على الاهالي وتزداد تفاصيل القهر ايلاماً “لو استشهدت لدفنتها بقبر قرب باب الدار وقرأت لها الفاتحة كل صباح، لكن الان لا أعلم ما هو مصيرها ” ربيع ابن السابعة عشر يلخص لـ”العهد” قصة الخطف التي أصبحت كابوساً على الاهالي وكان آخرها اختطاف ثلاثة وستين امرأة وطفلا من البلدتين حيث اوقفت عصابات ما يسمى بـ”الجيش الحر” الحافلات التي تقلهم واجبرتهم على الذهاب الى المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة.
أما ابو محمد فقد روى ان الموت يلبس وجوهاً عدة في هاتين البلدتين “ان لم نمت جوعاً قتلنا الهاون، فالقذائف ورشقات الرصاص العشوائي باتت من مفردات أيامنا ومشاهد الدمار لم تعد غريبة على الناس هنا، نتعرض يومياً لسقوط عشرات قذائف الهاون التي حصدت أرواح المئات أغلبهم من الاطفال بالاضافة للدمار الذي لحق بالبيوت السكنية”.
يتذكر أبو محمد الحياة قبل أعوام الحرب “عشنا سنوات طويلة مع جيراننا في القرى المحيطة الذين ينتمون إلى مذهب أهل السنة حتى مع بداية الاحداث لميكن الوضع بهذا السوء إلى أن جاءت عناصر “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلاميةفي الشام والعراق” ، وأفتت بحصارنا”.
يضيف الرجل “صراخ أطفال ونواح نساء” ترانيم موت تتردد في أحياء البلدتين مع ولادة كل فجر جديد عدا المحاولات اليومية لاقتحام البلدتين من قبل “المسلحين”.