كثيرة هي الأساليب التي تفرّد بها تنظيم «داعش» في حروبه المتنقلة بين سوريا والعراق ولبنان وصولا إلى اعتداءاته في أوروبا وأميركا.. وغيرها، التي تبدأ بالذبح وقطع الرؤوس، ولا تنتهي بالتعذيب بأبشع الوسائل، ولا بالحكم على الشخص بالقتل حرقًا وهو حيّ، كما حصلمع الطيار الأردني معاذ الكساسبة.
وربما لا تتورّع تنظيمات متطرفة على اعتماد النهج نفسه، إلا أنها تحاذر إلى حدّ ما من إظهار بشاعة جرائمها، فيما لم يخف تنظيم «داعش» شروعه في استمالة الأطفال دون 18 سنة وتجنيدهم وتدريبهم وتسليحهم، والدفع بهم إلى نقاط المواجهة للقتال في صفوفه. وآخر مثال على ذلك كشفه فيديو لعناصر من قوات الشرطة العراقية يجردون طفلا انتحاريا «داعشيا» لا يتجاوز عمره 12 أو 13 عاما من حزام ناسف، ويقتادونه بعيدا قبل دقائق من انفجار الحزام. وجاء ذلك بعد ساعات من هجوم انتحاري نفذه طفل آخر قتل 51 شخصا على الأقل وجرح أكثر من مائة آخرين في حفل زفاف بمدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، وطفل آخر حاول تفجير نفسه خارج مسجد للشيعة في مدينة كركوك شمال بغداد مؤخرا.
والمقلق في الأمر أن «داعش» آخذ في تطوير نهجه الفكري والعسكري يومًا بعد يوم، وهو ما أشار إليه الخبير في شؤون الحركات المتطرفة بشير عبد الفتاح، الذي رأى أن التنظيم «لديه مرونة تنظيمية وتكتيكية عالية، واستطاع أن يقوم بنقلة نوعية من العمليات التنظيمية، إلى عمليات (الذئاب المنفردة) وتغطية أكبر مساحة من العالم». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الأخطر هو في نوعية العناصر التي يعتمد عليها، لهذه العمليات الجديدة، وهم المتخلفون عقليًا والصبية، وهذا يتم عادة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وعبر الإنترنت».
وقال عبد الفتاح: «يبدو أن هذا التنظيم لديه خبراء في علم النفس، يدرسون نفسية الشخص الذي يجندونه، بما يمكنهم من السيطرة عليه والتحكم بإرادته، وقد رأينا كيف استغلّ عددا من المختلين عقليًا بهجمات في أكثر من عاصمة أوروبية وفي أميركا أيضًا». أما عن استغلال الأطفال، فأوضح أن «استغلال (داعش) للأطفال، يعود إلى قدرته على التحكم بالمرحلة العمرية، خصوصًا ممن هم ما بين 12 و18 سنة، أي في فترة المراهقة والتمرد ورفض الواقع والرغبة في تنفيذ الأمور الخارقة، وإظهار نفسه بطلا». وأشار إلى أن «الهدف من استغلال التنظيم للأطفال، هو إظهار قدرته الخارقة عبر الجذب والتوظيف من كل الأعمار، وهذه تعدّ نقلة نوعية»، مشبهًا التنظيم بـ«الفيروسات التي تتكاثر في الجسم عندما لا تجد من يبتكر علاجًا للقضاء عليها، لا بل هي قادرة على تطوير نفسها عندما تثبت قدرتها على تخطي علاجات غير فاعلة، وما استغلال الأطفال والمختلين عقليًا إلا نموذج من هذا التطور المخيف».
وكان«مرصد التكفير» التابع لدار الإفتاء المصرية، كشف عن انتهاكات ترتكبها التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ومنها «داعش» في حق الأطفال. وحذر من أن هذه التنظيمات «حولت قضية تجنيد الأطفال إلى قضية استراتيجية لترويض جيل قادم يحمل آيديولوجيته المتطرفة والإرهابية لضمان ديمومتها لسنوات، وربما لعقود مقبلة». وقال إن «هذه التنظيمات تبذل جهودًا مضنية في سبيل ذلك، وتقوم هذه بنشر صور ومقاطع فيديو لأطفال صغار يقاتلون في صفوفها، ويطلقون النار على أشخاص أو يتدربون حاملين رشاشات، في أشرطتها الدعائية».
منجهتها، قالت مصادر مصرية إن «داعش» يخطط لاستراتيجية جديدة وهي «الأطفال الانتحاريون» الذين ينتمون للتنظيم، ويطلق عليهم «أطفال دولة الخلافة» المزعومة. وأشارت إلى أن الأطفال الانتحاريين أشد فتكا من المُقاتلين الحاليين من عناصر «داعش»، «لأنهم لم يتعايشوا مع أشخاص يتبنون القيم الصحيحة، ويتم تلقينهم عقيد الكراهية منذ الصغر من خلال تدريبهم على العنف في سن مبكرة». وأكدت المصادر المصرية نفسها أن «داعش» يعتمد على إقناع الصغار بأن القتال «جهاد»، كما يعرضون الأطفال لمشاهدة رجال تقطع أيديهم وأرجلهم ويعلمونهم أن هذا بسبب حربهم ضد التنظيم، لافتة إلى أن «داعش» غير من استراتيجيته، فبدلا من الاعتماد على عناصره للقيام بعمليات انتحارية، بات يلجأ للأطفال للقيام بهذه التفجيرات، لأنهفي حاجة إلى جنود لحماية توسعاته الخارجية.. أما الأطفال، فلن يؤثر مقتلهم على التنظيم في شيء. ويرى المراقبون أن التنظيم الإرهابي دأب على إرسال أطفال في مهام صادمة وقتالية لتصوير مدى قوته القتالية للعالم الخارجي، وأن هناك عشرات من الهجمات الانتحارية استخدم فيها «داعش» أطفالا تم بثها عبر وسائل «داعش» خلال الفترة الماضية.
ففي فبراير (شباط) الماضي، بث «داعش» شريط فيديو مصورا لعملية تفجيرية قيل إنها تمت في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، في ريف حلب بالشمال السوري، حيث قام بها طفل يدعى أبو عمارة العمري، لم يتجاوز عمره الأحد عشر عاما، بتنفيذ واحدة من أكثر العمليات دموية، بعدما أظهر الفيديو المصور والد الطفل وهو يساعده على ركوب سيارة مكتظة بالمتفجرات،بعد أن علمه كيف يقودها، ليمضي الطفل بعيدا ويفجر نفسه فيها.
بدوره، أوضح الناشط في تجمّع «الرقة تذبح بصمت» أبو محمد، أن التنظيم «دأب على استخدم الأطفال،سواء عندما كان يسمي نفسه (دولة العراق الإسلامية) في عام 2006، أو حتى عندما أعلن عن ولادة ما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في 2013». وقال: «لقد استخدم الأطفال في كل الميادين؛ بدءًا من توظيفهم جواسيس ضدّ عائلاتهم، وصولاً إلى العمليات الانتحارية».
وأكد أبو محمد لـ«الشرق الأوسط»، أن «لجوء التنظيم لاستخدام الأطفال في العمليات الانتحارية في الفترة الأخيرة، ليس بسبب نقص عدد الانتحاريين الأجانب أو حتى المناصرين لديه، إنمابهدف إبعاد الشبهات عن عملياته، ولذلك هو يستخدمهم الآن لتنفيذ مهام سهلة في الشكل، لكنها معقدة في المضمون»، لافتًا إلى أنه «يستفيد من قابلية الأطفال واستعدادهم للتضحية في سبيل التنظيم بعد خداعهم، وغسل أدمغتهم بسهولة، وهو أمر مختلف عن الكبار، وهذا ما يحتاجه التنظيم تمامًا».
وأشار أبو محمد إلى «عمليات كثيرة نفذها أطفال في سوريا والعراق، ومن الممكن أن يبدأ التنظيم باستخدام الأطفال في كل مرة يجدها مناسبة»، لافتًا إلى أنه «إذا ثبت استخدام الأطفال في العمليات الخارجية، أو كما يسميها (هجمات الذئاب)، وإذا صح أن التنظيم هو المسؤول عن العمل الإرهابي في تركيا (تفجير غازي عنتاب)، فهذا يُعتبر نذير شؤم، لأنه قد يستخدم الأطفال في عمليات إرهابية أخرى في أوروبا مثلاً؛ إذ ليس هناك عدد حقيقي معروف للأطفال المنتسبين للتنظيم، باعتبار أن تجمعنا يقدّر تجنيد التنظيم بما بين ألف و1500 طفل في سوريا وحدها».
وعن أساليب استقطاب «داعش» للأطفال والمراهقين، أفادت مصادر مصرية مطلعة على نشاط التنظيم الإرهابي أنه أطلق في مايو (أيار) الماضي تطبيقا خاصا بالأطفال يُسمى «حروف»، ويعمل على نظام تشغيل الهواتف الجوالة «آندرويد»، ويهدف إلى استقطابهم وتجنيدهم منذ الصغر، وذلك عبر تعليمهم الحروف الأبجدية العربية باستخدام كلمات تتعلق بالحروب والأسلحة.
وقالت المصادر إن «داعش» سعى من خلال التطبيق لخلق جيل جديد من الأطفال الانتحاريين يتخذون من فكر التنظيم ومنهجه الضال عقيدة ومنهجا، موضحة أن «الأطفال من الأوراق الرابحة لدى التنظيم، ويتم تجنيدهم عبر أسرهم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل (تويتر) و(فيسبوك)للانضمام للتنظيم».
وأضافت المصادر أن «تجنيد الأطفال وغرس منهج الكراهية والتطرف داخل عقولهم منذ نعومة أظفارهم، أصبح الملجأ الوحيد المتبقي للتنظيم لضمان استمراره وانتشار أفكاره».
وتطبيق«داعش» سعى من خلاله إلى تلقين الأطفال معاني العنف والقتال من بوابة تعلم الحروف الأبجدية، حيث يتم تعليم الأطفال الحروف عن طريق أسماء السلاح المختلفة، كأن يتعلم الطفل الحرف«ب» مصحوبا بكلمة «بندقية»، والحرف «ص» مصحوبا بـ«صاروخ»، و«ر» بمصحوبا بـ«رصاصة»،و«س» بـ«سيف»، و«د» بـ«دبابة»، وغيرها من أنواع الأسلحة والمعدات، التي يُروج لها التنظيم،ويحاول بناء عقلية الأطفال منذ الصغر على هذه الأسماء، التي ترمز إلى العنف والقتل والحرب.
وأشارت المصادر إلى أن تطبيق «داعش» الإلكتروني قدم دروسا للأطفال في شكل ألعاب وأناشيد مصحوبة بصور جذابة وألوان زاهية، مع وجود «علم الخلافة المزعومة» الأسود الخاص بالتنظيم، وصور لأطفال يرتدون أقنعة «داعش» السوداء، بما تحمله هذه الصور من معاني تشجع الأطفال على ممارسة العنف، والإقبال عليه، وترسيخ صورة مقاتلي التنظيم، باعتبارهم أعلاما تحتذى.