كاهنٌ من معلولا لـ"السفير": المسلّحون يحرقون البلدة
كارمن جوخدار "معلولا تستغيث ولكن ما من مُغيث"، هكذا يختصر كاهن رعية زحلة الأب فادي لونديوس البركيل مشهد بلدته التي زارها آخر مرّة في آب الماضي قبل أن تتعرّض للهجوم الإرهابي الذي نفّذته "جبهة النصرة" في الأسبوع الأول من أيلول. ويؤكد الأب لـ"السفير"، أن "جبهة النصرة" - التي باتت تسيطر على المنطقة - تحرق البيوت وقد أتت النيران على كامل الحارة القديمة، التي كان يقطنها المسيحيون، مشيراً إلى أن الراهبات، التي قام المسلّحون باختطافهن، اقتيدوا إلى جهة مجهولة. ويؤكد الأب أن أهالي معلولا، البلدة المسيحية التاريخية، نزحوا إلى دمشق وزحلة فيما تقوم البطريركية في العاصمة السورية بمساعدة هؤلاء عبر دفع إيجار الأشهر الثلاثة الأولى للشقة التي يستأجرونها. ويشير البركيل إلى أن الأهالي تركوا معلولا بالثياب التي كانوا يرتدونها بعد أن باغتهم المسلّحون، وهم كانوا يعقدون آمالاً بالعودة إلى ديارهم "إلا أن كل حلمِ بالعودة بات مستحيلاً مع حرق المنازل ونهبها". ويضيف بغصّة: "أهالي معلولا أرادوا فقط الحفاظ على كنائسنا. معلولا التاريخية والآرامية راحت. خلص راحت". ويؤكد أن تهجير أهالي معلولا يأتي ضمن خطة تهجير المسيحيين من الشرق، لافتاً الانتباه إلى أن المسلّحين استهدفوا صدد، دير عطية، النبك، واليوم معلولا. وينقل الأب عن آخر الوافدين من معلولا أن المسلّحين توعّدوا خلال الهجوم الأخير على البلدة "سنحرق معلولا بمن فيها"، كاشفاً عن أن زيارة الأديرة ممنوعة منذ شباط الماضي مع تواجد المسلّحين في فندق السفير. ويشير الأب إلى أنه في الهجوم الأول جرى الاعتداء على كنيسة مار سركيس، حيث أنزل المسلّحون الصلبان ليتم الاعتداء على كنيسة القديسة بربارة ومن بعدها دير مار تقلا، مشيراً إلى اختفاء عدد كبير من الأيقونات، ذات الرمزية الدينية والتاريخية في آن. من جهتها، تؤكد سيّدة من معلولا، وصلت إلى لبنان منذ يومين، لـ"السفير"، أن العودة إلى معلولا باتت حلماً لأهالي المنطقة بعد أن "قام الإرهابيون بإحراق البلدة"، مشيرة إلى أنه "في الهجوم الأول سيطر الإرهابيون على عدد من المنازل وخرّبوها كما اعتدوا، منذ اليوم الأول، على الكنائس وكسروا قبة كنيسة مار سركيس وأزالوا الصلبان"، مذكّرة بأن المسلّحين لدى دخولهم إلى معلولا أكدوا أنهم لن يمسّوا المقدّسات، إلا أنهم دنّسوا المذابح في الكنائس وعاثوا خراباً وتدميراً. تخبر السيدة، التي غادرت معلولا بعد الهجوم الأول إلى دمشق، عن قيام المسلّحين باختطاف زوجها ونقله إلى منطقة قريبة من جرود عرسال ليتم إطلاق سراحه بعد 52 يوماً مقابل فدية مالية. وتنقل السيدة، التي تساعد مطرانية زحلة في استقبال النازحين السوريين، عن أهالي بلدتها معلولا ان الهجوم الأخير قام به مئات الإرهابيين "هجموا على الضيعة وسط التكبير وقد كانوا يرددون أيضاً: أين أنتم يا عبادين الصليب؟". المرأة التي جفّفت دموعها أكثر من مرّة خلال استرجاعها ذكريات الهجوم الأول و"يقينها" باستحالة العودة قريباً بعد سيطرة المسلّحين، أشارت إلى أن "دبابات الجيش السوري تعرّضت كما الكنائس لصواريخ حرارية"، معتبرة أن "الأمر الذي حسم المعركة في 3 أيام هو التفوّق العددي للإرهابيين على الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني". من جهة أخرى، يؤكد مصدر كنسي من معلولا أن المدينة تعرّضت لحملة من التدنيس والتدمير والحرق والسرقة، مشيراً إلى أن أهالي المنطقة غادروها في 7 أيلول بعد الهجوم الأول. وتساءل المصدر الكنسي المتواجد في لبنان، عبر "السفير"، عن الصمت الذي ينتهجه القادة المسيحيون في لبنان المقرّبون من المعارضة السورية، لافتاً الانتباه إلى أن "هذه الجهات تتعاطى مع ما يجري في معلولا وكأنه أمرٌ لا يعنيها". ويتساءل: "أين هم جورج صبرا وميشال كيلو؟ ألم يطرحوا نفسهم على أنهم ممثلون للمسيحيين ضمن الفريق المعارض؟ لماذا يسكتون؟ وفي أي فندق يقطنون اليوم؟". وأشار المصدر إلى أن البابا فرنسيس رفع الصوت عالياً حين قال: "لن نسمح بشرق أوسط خال من المسيحيين"، متمنياً أن يرفع المسؤولون الكنسيون الصوت أكثر فأكثر خاصة بعد أحداث معلولا. ويتوجه إلى المسؤولين في الكنيسة بالقول: "لا تتحدثوا باسمنا في أوروبا وأميركا.. قفوا إلى جنبنا في هذه الظروف.. اصرخوا قربنا لا تصرخوا في الخارج فما من أحد سيسمعكم هناك.. رجاء ارفعوا الصوت إلى حدود السماء.. نحن لا نحتاج وقفتكم في الأعياد والمهرجانات بل في هذه المرحلة الصعبة التي نعاني خلالها". ويؤكد المصدر أنه خلال الهجمة الأولى خطف 6 شباب لا يزال مصيرهم مجهولاً إلى اليوم، فيما قتل آنذاك 3 شباب لأنهم "رفضوا أن يكونوا غير مسيحيين". ويعتبر المصدر أن الهجوم على معلولا "ردة فعل وانتقام للخسائر التي مني بها المسلّحون في عدد من المناطق السورية وخاصة في القلمون"، مشيراً إلى أن "الإرهابيين الذين هاجموا معلولا هربوا من صدد ودير عطية والنبك واتوا لينتقموا". ويضيف: "ممن يريد هؤلاء الانتقام؟ من القديسين؟ من البلدة التاريخية؟ من منطقة خالية سوى من بعض الشباب الذين يرتادونها لحماية المنازل من السرقة؟ ماذا يوجد في معلولا غير التاريخ والدين والمحبة؟ في معلولا، لا ثكنات عسكرية أو صواريخ أو كيميائي، فماذا تريدون من معلولا التي تعيش بسلام؟". وإذ يعتبر المصدر أن "العودة لن تكون قريبة أبداً"، يتحدث بحرقة عن بلدته التي خسرها قائلاً: "سأعود بحثاً عن منزلي وعن صور أهلي الذين توفوا وعن ذكرياتي. دنيتي كلها هناك ولن أجد منها شيئا". على صعيد متصل، دعا بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس البطريرك يوحنا العاشر الخاطفين إلى إطلاق راهبات دير مار تقلا. وأضاف، في بيان: "نستصرخ الضمير البشري كله وكل ذوي النيات الحسنة لإطلاق راهباتنا المحتجزات واليتامى. ونناشد بذرة الضمير التي زرعها الله في كل البشر، بمن فيهم الخاطفون، إطلاق أخواتنا سالمات. نداؤنا إلى المجتمع الدولي وسائر حكومات العالم لإطلاق راهبات مار تقلا واليتامى المحتجزات منذ البارحة"، معتبراً أن "احتجاز الراهبات حتى الآن، رغم كل الاتصالات الجارية، هو تعدٍ صارخ على كرامة الناس وعلى صوت السلام والصلاة في ربوع سوريا والمشرق كله". المصدر: حريدة السفير