أكمل تنظيم «داعش» مسلسل طمس التراث العراقي الذي بدأه الاحتلال الأميركي في عام 2003، بعد تدميره أكثر من 46 موقعاً اثرياً منذ احتلاله مساحة تقارب ثلث البلاد في العاشر من حزيران. فمنذ دخول «داعش» الموصل تمكن من سرقة وتدمير 36 موقعاً آثرياً في محافظة نينوى، هي: جرف مدينة النمرود بالآليات الثقيلة وسرقة رأس الثور المجنّح، ومدينة نينوى الآثرية عندما دمّر بوابة لركال، وهي إحدى أهم بوابات المدينة القديمة، ومدينة الحضر، عندما جرفها وحوّلها إلى معسكر تدريب لعناصره، وتفجير قلعة تلعفر.
كذلك فجر التنظيم قبر النبي يونس وقبر البنت (الذي يضم قبر المؤرخ الشهير ابن الأثير) وضريح يحيى إبن القاسم وجامع الشيخ فتحي وجامع النبي يونس وجامع النبي شيت وجامع النبي جرجيس وجامع النبي دانيال وكنيسة الطاهرة، والجامع الأموي ومدرسة الصنائع وجامع ومرقد الشيخ أبو العلا ومقام الامام عون الدين بن الحسن، وجامع ومرقد السلطان عبد الله، والمدرسة الكمالية وجامع ومقام الامام عبد الرحمن (المدرسة العزية سابقاً) وجامع ومقام الأمم الباهر وجامع الصاغرجي وجامع الامام المحسن، وجامع الامام ابراهيم وجامع السلطان ويس وجامع ومرقد الشيخ احمد الرفاعي ومقام الشيخ عيسى ددة والمقبرة المجاورة له، وجامع الشيخ محمد الرضواني وجامع عجيل الياور وجامع حمو القدو ومقام السيدة زينب، ومقام الشيخ غوث الدين ابن الشيخ عبد القادر الكيلاني، بينما تعرضت للحرق كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك. إما في ما يخص المتحف وسط مدينة الموصل، فقد بث التنظيم فيديو يظهر فيه عناصره وهم يدمرون التماثيل التي أزالوها ويستخدمونه حالياً مقر دار زكاة. وفي محافظة صلاح الدين دمر «داعش» ثمانية مواقع آثرية، وهي موقع آشور وقبة الصليبية وضريح محمد الدري وجامع أبي دلف وقبر الأربعين صحابياً وقلعة تكريت والكنيسة الخضراء وسور أشناس، وفي محافظة الأنبار فجّر مقام الخضر في قضاء هيت وموقع الكرابلة «خندانو» في قضاء القائم. استخدم «داعش» الآثار كأحد مصادر تمويله بعد تهريبها وبيعها لجهات دولية. وكشفت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، أن «داعش» باع آثار العراق بقيمة مليار و200 مليون دولار، وخصوصاً أن 23 مزاداً في دول العالم تعرض وتبيع الآثار العراقية، وكان آخره مزاد كريستي في نيويورك. «المجتمع الدولي» وقف متفرجاً على ما يحصل في التراث العراقي، وعلى الرغم من إصدار مجلس الأمن القرار 2199 الذي يطالب بالمحافظة على الآثار في العراق وسوريا، بقي هذا القرار حبراً على ورق، ولم يطبق على أرض الواقع، إذ ما زالت تباع يومياً آثار البلدين في دول أجنبية عديدة. وكان مجلس الأمن الدولي قد صوّت في شباط الماضي بالإجماع على مشروع قرار روسي يقضي بتجفيف منابع تمويل تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية من خلال بيع النفط والآثار والفدية. كما أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، في 28 آذار الماضي، مبادرة «متحدون مع التراث» لصيانة وحماية الآثار العراقية، فيما منحت اليابان مليونا ونصف مليون دولار للمنظمة لدعم المبادرة. وقال وكيل وزير السياحة، قيس حسين إن «تنظيم داعش عبث بالآثار في المناطق التي احتلها، وخصوصاً في محافظة نينوى عندما استهدف مدنا آثرية تعود إلى الدولة الآشورية». وشدد حسين في حديث لـ«الأخبار» على ضرورة «أن تحمي دول العالم الآثار العراقية وتمنع بيعها في المزادات الدولية»، لافتاً إلى أن «قرار مجلس الأمن 2199 جاء متأخرا». الخبير في الآثار، عامر عبد الرزاق، أوضح أن «تنظيم داعش سيطر على ما يقارب أربعة آلاف موقع أثري بعد احتلاله لمحافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك»، مضيفاً « في نينوى فقط، نحو 1700 موقع آثري نهبها داعش وفجر أغلبها». وأضاف عبد الرزاق أن «الآثار أصبحت مصدراً لتمويل داعش من خلال بيعها بعد تهريبها عن طريقين، الأول تركيا، والثاني من مدينة الرقة السورية، ومن ثم إسرائيل، وبعدها قبرص ودول العالم الأخرى»، مشيراً إلى أن «سرقة وتدمير الآثار العراقية جاءا باتفاق دولي، إذ من غير المعقول أن يتفرج المجتمع الدولي على ما يحصل، وهناك ما يقارب 62 دولة تحلق فوق أجواء البلاد، وتُعرف ما يسمى التحالف الدولي، ولا تستطيع أن تحافظ على المدن الأثرية وأن تستهدف كل من يقترب منها». وبيّنت عضو اللجنة المالية النيابية، ماجدة التميمي في حديث صحافي، أن «عمليات تهريب الآثار العراقية جرت بتعاون أيدٍ عراقية خفية». وأضافت التميمي أن «هناك معلومات تشير إلى أن داعش استولى على آثار نفيسة تحت المواقع الأثرية لمسجد النبي يونس ونمرود»، مؤكدةً أن «إسرائيل مسيطرة على اليونسكو وعلى الجهات الساعية لتهريب آثار العراق إلى الخارج لطمس حضارة البلد العريق وتنفيذ مشروعهم الكبير». ولفتت إلى أن «مسجد النبي يونس تحته بوابة سرية أغلقها النظام السابق ولم يعلم بها أحد إلا بعض العاملين على حراستها»، مؤكدة أن «داعش خلال الأيام الأولى لدخوله نينوى استولى على الآثار والوثائق النفيسة بتعاون مع بعض العراقيين». وكانت اتهامات عديدة قد وُجهت إلى إسرائيل بالوقوف وراء جريمة تدمير الآثار العراقية، أطلقها وزير السياحة والآثار عادل الشرشاب، بعد تدمير المتحف الوطني ومدن النمرود وخورسباد والحضر، وإحراق مكتبة الموصل المركزية التي تضم آلاف الكتب والمخطوطات النادرة. المصدر: جريدة الأخبار