عشرات سيارات الإسعاف وصلت مدينة اللاذقية محمّلة بالمصابين جراء المعركة الأخيرة في إدلب. تزامن وصولها مع نداءات بضرورة التوجه إلى مركز التبرع بالدم لحاجته الى مختلف الفئات... مشهد أهل مدينة إدلب النازحين أرخى بظلاله على المدينة الساحلية.
عشرات الجرحى من العسكريين والمدنيين استقبلتهم المشافي الحكومية الثلاثة. توزعت في هذه المستشفيات عشرات القصص التي تقشعر لها الأبدان. عمليات ذبح وإعدامات، وأطفال ونساء وعجائز ساروا لساعات طويلة باتجاه أريحا ومعسكر الطلائع في المسطومة جنوب المدينة. من نجا منهم من القذائف والقنص كان «محظوظاً» ليروي قصته. أحاديث حول مادة شالة للأعصاب كانت تتلو انفجار جرار الغاز، مادة يصفها محمد، المقاتل في صفوف «الدفاع الوطني» بأنها ذات لون أصفر ورائحة غريبة. «كنا على الطلاقيات عم نقوص، وفجأة تنفجر جرة غاز فتتخدّر أعصابنا ونرتخي متل كأن ارتفع الضغط معنا ويفلت عزمنا»، يقول. المادة نفسها تحدث عنها أبو كامل، الموظف في بلدية إدلب والمتطوع إلى جانب الجيش، يصفها بـ«كيماوي يرميه المسلحون على الناس». أبو كامل الذي خضع لعملية جراحية لإزالة ثلاث شظايا من كتفه وخاصرته يتحدث بصوت متهدج عن زوجته التي تركها ولا يعرف عنها شيئاً، وعن ولَدَي أخيه اللذين قتلا أمام عينيه. يقول: «إجيت لآخد عيلتي بس كانوا المسلحين محاصرين المنطقة، ركضت مع الناس، رحنا بين الزيتون. كان في خلق كتير مقتلين بالأراضي... بعدها شفنا دبابة للجيش تعربشنا عليها، ويلي ما قدر يطلع ضل هونيك، وطول الطريق كان القنص شغال، استشهد اتنين من يلي كانوا معي وأنا تصاوبت. وصلنا على المعسكر بالمسطومة وبعدها أسعفوني لهون». المشهد الذي يأبى أن يفارق أبو كامل هو مشهد امرأة ذبحت أمام عينيه، حين كان مختبئاً قرب المقبرة. «شفت بنت الكردي الساكنة بالبناية جنب المقبرة، وأخوها عم يجرها من شعرها، بعدين قص راسها. عمل هيك لأنها تزوجت عسكري وهو كان مع المسلحين وهربان، ولما قويت شوكتهم إجا ودبحها». أما أبو سلمى الستيني الذي كان نزيل المشفى الوطني في إدلب جراء إصابته بشظايا قذيفة، فيتحدث عن هروبه بعد هجوم المسلحين على المشفى قبل أن يحرقوه بالكامل، قائلاً: «كان المشفى محاصر من 3 جهات، وفي ممر من باب المشفى باتجاه شارع المربع الامني. صاروا المصابين يهربوا منه. المشفى كان فيه أكتر من 700 نزيل، يلي قدر منهم يمشي مشي ويلي ما قدر طالعوه بالمصفحات». ويضيف: «إدلب محللة للدبح. هيك كنا نسمعهم يقولوا. حرقوا دور الناس وقطعوا روس». «دبابات تركية وخيانات ورصاص في الظهر، وأناس حملوا السلاح فجأة وتنكروا لأيام العشرة والمودة»، هكذا يصف العسكري منذر المشهد. ويضيف أنّ «بعض أصحاب المحال التجارية جنب الحواجز شفناهم حاملين السلاح مع أنهم كانوا يقعدوا معنا على الحواجز ونتسامر، وفجأة انقلبوا ضدنا». حين تسأل سلمان، الشاب المتطوع في صفوف الجيش، عن شعوره بعد النجاة من جحيم إدلب يطرق رأسه قائلاًَ: «أيّ نجاة هاي، وأنا ما بعرف شي عن عيلتي؟ ما بعرف شي عن أهلي ولا عن رفاقي. النجاة الوحيدة هي إني إرجع ع إدلب». المصدر: جريدة الأخبار